ولما أخبر تعالى عنهم بهذه الأحوال التي هي{[55334]} غاية في{[55335]} الدناءة ، أقبل عليهم إقبالاً يدلهم على تناهي الغضب ، فقال مؤكداً محققاً لأجل إنكارهم : { لقد كان لكم } أيها الناس كافة الذين المنافقون في غمارهم { في رسول الله } الذي جاء عنه لإنقاذكم من كل ما يسوءكم ، وجلاله من{[55336]} جلاله المحيط بكل جلال ، وكماله من كماله العالي على كل كمال ، وهو أشرف الخلائق ، فرضيتم مخالطة الأجلاف بدل الكون معه { أسوة } أي قدوة{[55337]} عظيمة - على قراءة عاصم{[55338]} بضم الهمزة ، وفي أدنى المراتب - على قراءة الباقين بالكسر ، تساوون أنفسكم به وهو أعلى الناس قدراً يجب على كل أحد أن{[55339]} يفدي ظفره الشريف ولو بعينه فضلاً عن أن يسوي نفسه بنفسه ، فيكون معه في كل أمر يكون فيه ، لا يختلف عنه أصلاً { حسنة } على قراءة الجماعة بمطلق الصبر في البأساء وأحسنية - على قراءة عاصم بالصبر على الجراح في نفسه والإصابة في عمه{[55340]} وأعزّ أهله وجميع ما كان{[55341]} يفعل في مقاساة الشدائد ، ولقاء الأقران ، والنصيحة لله ولنفسه وللمؤمنين ، وعبر عنه بوصف الرسالة لأنه حظ الخلق منه ليقتدوا بأفعاله وأقواله ، ويتخلقوا بأخلاقه وأحواله ، ونبه على أن الذي يحمل على التآسي به صلى الله عليه وسلم إنما هو الصدق في الإيمان ولا سيما الإيمان بالقيامة ، وأن الموجب {[55342]}للرضا بالدنايا{[55343]} هوالتكذيب بالآخرة فقال مبدلا من " لكم " ( لمن كان ) أي كونا أي كونا كأنه جبلة له { يرجوا الله } أي في جبلته أنه يجدد الرجاء مستمراً للذي لا عظيم في الحقيقة سواه فيأمل{[55344]} إسعاده ويخشى إبعاده { واليوم الآخر } الذي لا بد من إيجاده ومجازاة الخلائق فيه بأعمالهم ، فمن كان كذلك حمله رجاؤه على كل خير ، ومنعه عن كل شر ، فإنه يوم التغابن ، لأن الحياة فيه دائمة ، والكسر فيه لا يجبر .
ولما عبر بالمضارع المقتضي لدوام التجدد اللازم منه دوام الاتصاف الناشئ عن المراقبة لأنه في جبلته{[55345]} ، أنتج ان يقال : فأسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء تصديقاً لما في جبلته من الرجاء ، فعطف عليه ، أو على " كان " المقتضية للرسوخ{[55346]} قوله : { وذكر الله } {[55347]}الذي له صفات الكمال ، وقيده بقوله : { كثيراً } تحقيقاً لما ذكر من معنى الرجاء الذي به الفلاح ، وأن المراد منه{[55348]} الدائم في حالي السراء والضراء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.