نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

ولما أخبر تعالى عنهم بهذه الأحوال التي هي{[55334]} غاية في{[55335]} الدناءة ، أقبل عليهم إقبالاً يدلهم على تناهي الغضب ، فقال مؤكداً محققاً لأجل إنكارهم : { لقد كان لكم } أيها الناس كافة الذين المنافقون في غمارهم { في رسول الله } الذي جاء عنه لإنقاذكم من كل ما يسوءكم ، وجلاله من{[55336]} جلاله المحيط بكل جلال ، وكماله من كماله العالي على كل كمال ، وهو أشرف الخلائق ، فرضيتم مخالطة الأجلاف بدل الكون معه { أسوة } أي قدوة{[55337]} عظيمة - على قراءة عاصم{[55338]} بضم الهمزة ، وفي أدنى المراتب - على قراءة الباقين بالكسر ، تساوون أنفسكم به وهو أعلى الناس قدراً يجب على كل أحد أن{[55339]} يفدي ظفره الشريف ولو بعينه فضلاً عن أن يسوي نفسه بنفسه ، فيكون معه في كل أمر يكون فيه ، لا يختلف عنه أصلاً { حسنة } على قراءة الجماعة بمطلق الصبر في البأساء وأحسنية - على قراءة عاصم بالصبر على الجراح في نفسه والإصابة في عمه{[55340]} وأعزّ أهله وجميع ما كان{[55341]} يفعل في مقاساة الشدائد ، ولقاء الأقران ، والنصيحة لله ولنفسه وللمؤمنين ، وعبر عنه بوصف الرسالة لأنه حظ الخلق منه ليقتدوا بأفعاله وأقواله ، ويتخلقوا بأخلاقه وأحواله ، ونبه على أن الذي يحمل على التآسي به صلى الله عليه وسلم إنما هو الصدق في الإيمان ولا سيما الإيمان بالقيامة ، وأن الموجب {[55342]}للرضا بالدنايا{[55343]} هوالتكذيب بالآخرة فقال مبدلا من " لكم " ( لمن كان ) أي كونا أي كونا كأنه جبلة له { يرجوا الله } أي في جبلته أنه يجدد الرجاء مستمراً للذي لا عظيم في الحقيقة سواه فيأمل{[55344]} إسعاده ويخشى إبعاده { واليوم الآخر } الذي لا بد من إيجاده ومجازاة الخلائق فيه بأعمالهم ، فمن كان كذلك حمله رجاؤه على كل خير ، ومنعه عن كل شر ، فإنه يوم التغابن ، لأن الحياة فيه دائمة ، والكسر فيه لا يجبر .

ولما عبر بالمضارع المقتضي لدوام التجدد اللازم منه دوام الاتصاف الناشئ عن المراقبة لأنه في جبلته{[55345]} ، أنتج ان يقال : فأسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء تصديقاً لما في جبلته من الرجاء ، فعطف عليه ، أو على " كان " المقتضية للرسوخ{[55346]} قوله : { وذكر الله } {[55347]}الذي له صفات الكمال ، وقيده بقوله : { كثيراً } تحقيقاً لما ذكر من معنى الرجاء الذي به الفلاح ، وأن المراد منه{[55348]} الدائم في حالي السراء والضراء .


[55334]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: في.
[55335]:زيد من ظ وم ومد.
[55336]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: في.
[55337]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قدرة.
[55338]:راجع نثر المرجان 5/394.
[55339]:من م ومد، وفي الأصل وظ: أي.
[55340]:من م ومد، وفي الأصل وظ: عمد.
[55341]:زيد من ظ وم ومد.
[55342]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالرضا للدنايا.
[55343]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالرضا للدنايا.
[55344]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: فيومل.
[55345]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: حيانه.
[55346]:زيد في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[55347]:زيد في ظ: أي.
[55348]:سقط من ظ.