نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

ولما أخبر تعالى أنه{[56549]} سخر له الجن ، ذكر حالهم في أعمالهم ، دلالة على أنه سبحانه يتصرف في السماء والأرض وما فيهما{[56550]} ومن فيهما بما يشاء فقال تعالى : { يعملون له } أي في أي وقت شاء { ما يشاء } أي عمله { من محاريب } أي أبنية شريفة من قصور ومساكن{[56551]} وغيرها هي أهل لأن يحارب عليها أو مساجد ، والمحراب مقدم كل مسجد ومجلس وبيت ، وكان مما عملوه له بيت المقدس جدرانه بالحجارة العجيبة البديعة والرخام الأبيض والأصفر والأخضر ، وعمده بأساطين المها الأبيض الصافي{[56552]} مرصعاً سقوفه وجدرانه بالذهب والفضة والدر والياقوت والمسك والعنبر وسائر الطيب ، وبسط أرضه {[56553]}بألواح الفيروزج{[56554]} حتى كان أبهى بيت على وجه الأرض { وتماثيل } {[56555]}أي صوراً حساناً على تلك الأبنية فيها أسرار غريبة كما ذكروا أنهم صنعوا{[56556]} له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين في أعلاه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان ذراعين ، وإذا قعد أظله النسران ، ولم تكن التصاوير ممنوعة{[56557]} .

ولما ذكر القصور وزينتها ، ذكر آلات المأكل لأنها أول ما تطلب بعد الاستقرار في المسكن{[56558]} فقال : { وجفان } أي صحاف وقصاع{[56559]} يؤكل فيها { كالجواب } جمع جابية ، وهي الحوض الكبير الذي يجبى إليه الماء ، أي يجمع{[56560]} قيل : كان يجلس على الجفنة الواحدة ألف رجل .

ولما ذكر الصحاف على وجه يعجب منه ويستعظم ، ذكر{[56561]} ما يطبخ فيه طعامها فقال : { وقدور راسيات } أي ثابتات ثباتاً عظيماً بأن لا ينزع عن أثافيها لأنها لكبرها كالجبال . ولما ذكر المساكن وما تبعها ، أتبعها الأمر بالعمل إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم ومن{[56562]} تبعه{[56563]} لا يلهيهم{[56564]} ذلك عن العبادة فقال : { اعملوا } أي وقلنا لهم : تمتعوا واعملوا ، دل على مزيد قربهم بحذف أداة النداء وعلى شرفهم بالتعبير بالآل فقال : { آل داود } أي كل ما يقرب إلى الله { شكراً } أي لأجل الشكر له سبحانه ، وهو تعظيمه في مقابلة نعمه ليزيدكم من فضله أو النصب على الحال أي شاكرين ، أو على تقدير : اشكروا شكراً ، لأن " اعملوا " فيه معنى " اشكروا " من حيث أن العمل للمنعم شكر له ، ويجوز أن تنتصب باعملوا مفعولاً بهم ومعناه أنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكراً - على طريق المشاكلة{[56565]} { وقليل } أي قلنا ذلك والحال أنه قليل .

{[56566]}ولما لم يقتض الحال العظمة لأنها{[56567]} بالمبالغة في الشكر أليق ، {[56568]}اسقط مظهرها{[56569]} فقال : { من عبادي الشكور * } أي المتوفر الدواعي بظاهره وباطنه من قلبه ولسانه وبدنه{[56570]} على الشكر بأن يصرف جميع ما أنعم الله عليه فيما يرضيه ، وعبر بصيغة فعول إشارة إلى أن من يقع منه{[56571]} مطلق الشكر{[56572]} كثير ، وأقل ذلك حال الاضطرار .


[56549]:في ظ: أن الله.
[56550]:زيد من م ومد.
[56551]:زيد من م.
[56552]:زيد من ظ وم ومد.
[56553]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالفيروز.
[56554]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالفيروز.
[56555]:بهامش م: الكشاف: التماثيل صور الملائكة والنبيين والصالحين: كانت تعمل في المساجد من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها ... فيعبدوا الله نحو عبادتهم.
[56556]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: صفعوا.
[56557]:بين سطري م: كما حكاه غير واحد منهم أبو العبادة.
[56558]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: السكن.
[56559]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قطاع.
[56560]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: جمع.
[56561]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فذكر.
[56562]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ما.
[56563]:في م ومد: تابعه.
[56564]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لا يلههم.
[56565]:زيد ما بين الحاجزين من م.
[56566]:العبارة من هنا إلى "مظهرها فقال" ساقطة من مد.
[56567]:من ظ وم، وفي الأصل: لأنه.
[56568]:من ظ وم، وفي الأصل: أسقطها.
[56569]:من ظ وم، وفي الأصل: أسقطها.
[56570]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: يديه.
[56571]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: له.
[56572]:العبارة من "بأن يصرف" إلى هنا متكررة في ظ.