ولما أخبر تعالى أنه{[56549]} سخر له الجن ، ذكر حالهم في أعمالهم ، دلالة على أنه سبحانه يتصرف في السماء والأرض وما فيهما{[56550]} ومن فيهما بما يشاء فقال تعالى : { يعملون له } أي في أي وقت شاء { ما يشاء } أي عمله { من محاريب } أي أبنية شريفة من قصور ومساكن{[56551]} وغيرها هي أهل لأن يحارب عليها أو مساجد ، والمحراب مقدم كل مسجد ومجلس وبيت ، وكان مما عملوه له بيت المقدس جدرانه بالحجارة العجيبة البديعة والرخام الأبيض والأصفر والأخضر ، وعمده بأساطين المها الأبيض الصافي{[56552]} مرصعاً سقوفه وجدرانه بالذهب والفضة والدر والياقوت والمسك والعنبر وسائر الطيب ، وبسط أرضه {[56553]}بألواح الفيروزج{[56554]} حتى كان أبهى بيت على وجه الأرض { وتماثيل } {[56555]}أي صوراً حساناً على تلك الأبنية فيها أسرار غريبة كما ذكروا أنهم صنعوا{[56556]} له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين في أعلاه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان ذراعين ، وإذا قعد أظله النسران ، ولم تكن التصاوير ممنوعة{[56557]} .
ولما ذكر القصور وزينتها ، ذكر آلات المأكل لأنها أول ما تطلب بعد الاستقرار في المسكن{[56558]} فقال : { وجفان } أي صحاف وقصاع{[56559]} يؤكل فيها { كالجواب } جمع جابية ، وهي الحوض الكبير الذي يجبى إليه الماء ، أي يجمع{[56560]} قيل : كان يجلس على الجفنة الواحدة ألف رجل .
ولما ذكر الصحاف على وجه يعجب منه ويستعظم ، ذكر{[56561]} ما يطبخ فيه طعامها فقال : { وقدور راسيات } أي ثابتات ثباتاً عظيماً بأن لا ينزع عن أثافيها لأنها لكبرها كالجبال . ولما ذكر المساكن وما تبعها ، أتبعها الأمر بالعمل إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم ومن{[56562]} تبعه{[56563]} لا يلهيهم{[56564]} ذلك عن العبادة فقال : { اعملوا } أي وقلنا لهم : تمتعوا واعملوا ، دل على مزيد قربهم بحذف أداة النداء وعلى شرفهم بالتعبير بالآل فقال : { آل داود } أي كل ما يقرب إلى الله { شكراً } أي لأجل الشكر له سبحانه ، وهو تعظيمه في مقابلة نعمه ليزيدكم من فضله أو النصب على الحال أي شاكرين ، أو على تقدير : اشكروا شكراً ، لأن " اعملوا " فيه معنى " اشكروا " من حيث أن العمل للمنعم شكر له ، ويجوز أن تنتصب باعملوا مفعولاً بهم ومعناه أنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكراً - على طريق المشاكلة{[56565]} { وقليل } أي قلنا ذلك والحال أنه قليل .
{[56566]}ولما لم يقتض الحال العظمة لأنها{[56567]} بالمبالغة في الشكر أليق ، {[56568]}اسقط مظهرها{[56569]} فقال : { من عبادي الشكور * } أي المتوفر الدواعي بظاهره وباطنه من قلبه ولسانه وبدنه{[56570]} على الشكر بأن يصرف جميع ما أنعم الله عليه فيما يرضيه ، وعبر بصيغة فعول إشارة إلى أن من يقع منه{[56571]} مطلق الشكر{[56572]} كثير ، وأقل ذلك حال الاضطرار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.