{ يستفتونك } أي{[24032]} يسألونك أن تفتيهم ، أي أن تبين لهم بما{[24033]} عندك من الكرم والجود والسخاء ما انغلق عليهم أمره وانبهم{[24034]} لديهم سره من حكم الكلالة ، وللاعتناء بامر المواريث قال إشارة إلى أن الله لم يكل أمرها إلى غيره : { قل الله } أي الملك الأعظم { يفتيكم في الكلالة } وهو من لا ولد له ؛ ولا والد روى البخاري في التفسير عن البراء رضي الله عنه قال : آخر سورة نزلت براءة و{[24035]}آخر آية نزلت { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } ، {[24036]}وقال الأصبهاني عن الشعبي : اختلف أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في الكلالة{[24037]} ، فقال أبو بكر : هو ما عدا الوالد ، وقال عمر : ما عدا الوالد{[24038]} والولد{[24039]} ، ثم قال عمر : إني لأستحي من الله أن أخالف{[24040]} أبا بكر رضي الله عنه ؛ ثم استأنف قوله : { إن امرؤ هلك } أي وهو موصوف بأنه ، أو حال كونه { ليس له ولد } أي وإن سفل سواء كان ذكراً أو أنثى عند إرث النصف ، وليس له أيضاً والد ، فإن كان له أحدهما لم يسم كلالة وقد بينت ذلك السنة ؛ قال الأصبهاني : وليسا بأول حكمين بُينَ أحدهما بالكتاب والآخر بالسنة ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام :
" ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى عصبة ذكر ، والأب أولى من الأخ " { و } الحال أنه{[24041]} { له أخت } أي واحدة من أب{[24042]} شقيقة كانت أو لا ، لأنه سيأتي أن أخاها يعصبها ، فلو كان {[24043]}ولد أم{[24044]} لم يعصب { فلها نصف ما ترك وهو } أي وهذا الأخ الميت { يرثها } أي إن ماتت هي وبقي هو ، جميع مالها { إن لم يكن لها ولد } أي ذكراً كان أو أنثى - كما مر في عكسه ، هذا إن أريد بالإرث جميع المال ، وإلا فهو يرث مع الأنثى كما أنها هي أيضاً ترث{[24045]} مع الأنثى - كما يرشد{[24046]} إليه السياق أيضاً - دون النصف .
ولما بين الأمر عند الانفراد أتبعه بيانه عند الاجتماع ، وقدم أقله فقال : { فإن كانتا } أي الوارثتان ببيان السياق لهما وإرشاده إليهما ؛ ولما أضمر ما دل عليه السياق ، وكان الخبر صالحاً لأن يكون : صالحتين ، أو صغيرتين ، أو غير ذلك ؛ بين أن المراد - كما يرشد إليه السياق أيضاً - مطلق العدد على أي وصف اتفق فقال : { اثنتين } أي من الأخوات للأب شقيقتين كانتا أو لا { فلهما الثلثان مما ترك } فإن كانت شقيقتين كان لكل{[24047]} منهما ثلث ، وإن اختلفتا{[24048]} كان للشقيقة النصف وللتي للأب فقط{[24049]} السدس تكملة الثلثين .
ولما بين أقل الاجتماع أتبعه ما فوقه فقال : { وإن كانوا } أي الوارث{[24050]} { إخوة } أي مختلطين { رجالاً ونساء فللذكر } أي منهم { مثل حظ الأنثيين } وقد أنهى سبحانه ما أراد من بيان إرث الأخوة لأب ، فتم بذلك جميع أحوال ما أراد من الإرث ، وهو على وجازته كما ترى - يحتمل{[24051]} مجلدات - والله الهادي ، ووضع هذه الآية هنا{[24052]} - كما تقدم - إشارة منه إلى{[24053]} أن من أبى توريث النساء والصغار الذي{[24054]} تكرر{[24055]} الاستفتاء عنه فقد استنكف عن عبادته واستكبر وإن آمن{[24056]} بجميع ما عداه من الأحكام ، ومن استنكف عن حكم من الأحكام فذاك هو الكافر حقاً ، وهذا مراد شياطين أهل الكتاب العارفين بصحة هذه الأحكام ، الحاسدين لكم عليها ، المريدين لضلالكم{[24057]} عنها لتشاركوهم في الشقاء{[24058]} الذي وقع لهم لما بدلوا الأحكام المشار إليهم بعد ذكر آيات الميراث وما تبعها من أحوال النكاح بقوله :
يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم }[ النساء : 26 ] وقوله :
{ ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً }[ النساء : 27 ] ثم المصرح بهم في قوله :
{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل والله أعلم بأعدائكم }[ النساء : 44 ] ولذلك - والله أعلم - ختم هذه الآية بقوله : { يبين الله } أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً { لكم } أي {[24059]}ولم يكلكم في هذا البيان إلى بيان غيره ، وقال مرغباً مرهباً : { أن } أي كراهة{[24060]} أن { تضلوا والله } {[24061]}أي الذي له الكمال كله{[24062]} { بكل شيء عليم * } أي فقد بين لكم بعلمه ما يصلحكم بيانه محياًَ ومماتاً دنيا وأخرى ، حتى جعلكم على المحجة البيضاء في مثل ضوء النهار ، لا يزيغ عنها منكم إلا هالك ، والحاصل أن تأخير هذه الآية إلى هنا لما{[24063]} تقدم من أن تفريق القول فيما تأباه{[24064]} النفوس وإلقاءه شيئاً فشيئاً باللطف والتدريج أدعى لقبوله ، وللإشارة إلى شدة الاهتمام بأمر الفرائض بجعل الكلام فيها في جميع السورة أولها وأثنائها وآخرها{[24065]} ، والتخويف من أن يكون حالهم كحال المنافقين في إضلال أهل الكتاب لهم بإلقاء الشبهة{[24066]} وأخذهم من الموضع{[24067]} الذي تهواه نفوسهم ، ومضت عليه{[24068]} أوائلهم ، وأشربته قلوهبم ، والترهيب من أن يكونوا مثلهم في افيمان ببعض و{[24069]}الكفر ببعض ، فيؤديهم ذلك إلى إكمال الكفر ، لأن الدين لا يتجزأ ، بل من كفر بشيء منه كفر به جميعه ، ومن هنا ظهرت مناسبة آخر هذه السورة لأولها ، لأن أولها مشير إلى أن الناس كلهم كشيء{[24070]} واحد ، وذلك يقتضي عدم الفرق{[24071]} بينهم إلا فيما شرعه الله ، وآخرها مشير إلى ذلك بالتسوية بين النساء والرجال في مطلق التوريث بقرب الأرحام{[24072]} وإن اختلفت الأنصباء ، فكأنه قيل : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ، وسوى بينهم فيما أراد من الأحكام فإنه من استكبر - ولو عن حكم من أحكامه - فسيجازيه{[24073]} يوم الحشر ، ولا يجد له من {[24074]}دون الله{[24075]} ناصراً ؛ ولا يخفى عليه شيء من حاله ، وما أشد مناسبة ختامها بإحاطة العلم لما{[24076]} دل عليه أولها من تمام القدرة ، فكان آخرها دليلاً على أولها لأن{[24077]} تمام العلم مستلزم{[24078]} لشمول القدرة ، قال الإمام : وهذان الوصفان هما اللذان بهما ثبتت الربوية والإلهية والجلال والعزة ، وبهما يجب على العبد أن يكون مطيعاًَ للأوامر والنواهي منقاداً لكل التكاليف - انتهى . ولختام{[24079]} أول آية{[24080]} فيها بقوله :
{ إن الله كان عليكم رقيباً }[ النساء : 1 ] أي وهو بكل شيء من أحوالكم وغيرها عليم ، فلا تظنوا أنه يخفى عليه شيء وإن دقَّ ، فليشتد حذركم منه ومراقبتكم له{[24081]} ، وذلك أشد شيء مناسبة لأول المائدة - والله الموفق بالصواب ، وإليه المرجع والمآب{[24082]} .
ومن هنا ظهرت مناسبة آخر هذه السورة لأولها ، لأن أولها مشير إلى أن الناس كلهم كشيء واحد ، وذلك يقتضي عدم الفرق بينهم إلا فيما شرعه الله ، وآخرها مشير إلى ذلك بالتسوية بين النساء والرجال في مطلق التوريث بقرب الأرحام وإن اختلفت الأنصباء ، فكأنه قيل : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ، وسوى بينهم فيما أراد من الأحكام فإنه من استكبر - ولو عن حكم من أحكامه - فسيجازيه يوم الحشر ، ولا يجد له من دون الله ناصراً ؛ ولا يخفى عليه شيء من حاله ، وما أشد مناسبة ختامها بإحاطة العلم لما دل عليه أولها من تمام القدرة ، فكان آخرها دليلاً على أولها لأن تمام العلم مستلزم لشمول القدرة ، قال الإمام : وهذان الوصفان هما اللذان بهما ثبتت الربوية والإلهية والجلال والعزة ، وبهما يجب على العبد أن يكون مطيعاًَ للأوامر والنواهي منقاداً لكل التكاليف - انتهى . ولختام أول آية فيها بقوله :
{ إن الله كان عليكم رقيباً }[ النساء : 1 ] أي وهو بكل شيء من أحوالكم وغيرها عليم ، فلا تظنوا أنه يخفى عليه شيء وإن دقَّ ، فليشتد حذركم منه ومراقبتكم له ، وذلك أشد شيء مناسبة لأول المائدة - والله الموفق بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .