نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{كَلَّا لَمَّا يَقۡضِ مَآ أَمَرَهُۥ} (23)

ولما كان إخباره بأنه مع{[71710]} الذي يسر له السبيل قد يفهم أنه لا يعمل إلا بما يرضيه ، نفى ذلك على سبيل الردع فقال : { كلا } أي ليرتدع هذا الإنسان الذي عرف أن هذه حالاته أولاً وآخراً واثناءًا ومخرجاً تارة من مخرج البول وأخرى من مخرج الحيض ومقبراً ، ولينزجر{[71711]} وليعرف ، نفسه بالذلة والخسة والحاجة والعجز ، وليعرف ربه سبحانه بالعزة والعظمة والكبرياء والفناء والقدرة على تشريف الحقير وتحقير الشريف ، وبأنه سبحانه لا يلزمه شيء فلا يلزم من تعريف هذا الإنسان السبيل وتمييزه له أنه لا يفعل إلا ما لا يعاتب عليه ، فإنه لا يكون من-{[71712]} الإنسان وغيره إلا ما يريده ، وتارة يريد هداه ، وتارة يريد ضلاله ، فقد يأمر بما لا يريده ويريد ما لا يأمر به ولا يرضاه ، ولذلك قال مستأنفاً نفي ما أفهمه بتيسيره{[71713]} للسبيل من أن{[71714]} الإنسان يفعل جميع ما أمره به الله الذي يسر له السبيل : { لما يقض } أي يفعل الإنسان فعلاً نافذاً ماضياً { ما أمره * } أي به الله كله من غير تقصير ما من حين تكليفه إلى حين إقباره بل من حين وجد آدم عليه الصلاة والسلام إلى حين نزول هذه الآية وإلى آخر الدهر ، لأن الإنسان مبني-{[71715]} على النقصان والإله منزه التنزه الأكمل ، وما قدروا الله حق قدره ، وأيضاً الإنسان الذي هو النوع لم يعمل-{[71716]} بأسره بحيث لم يشذ منه فرد جميع ما أمره ، بل أغلب{[71717]} الجنس عصاه وكذب بالساعة التي هي حكمة الوجود ، وإن صدق{[71718]} بها بعضهم كان تصديقه بها تكذيباً لأنه يعتقد أشياء منها على خلاف ما هي عليه .


[71710]:في ظ: هو.
[71711]:من ظ و م، وفي الأصل: ليزجر.
[71712]:زيد من ظ و م.
[71713]:في ظ: بتيسير.
[71714]:زيد من م.
[71715]:زيد من ظ و م.
[71716]:زيد من ظ و م.
[71717]:من ظ و م، وفي الأصل: القلب.
[71718]:من م، وفي الأصل و ظ: به.