وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما قال سبحانه { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى }[ النازعات : 26 ] وقال بعد { إنما أنت منذر من يخشاها }[ النازعات : 45 ] افتتحت هذه السورة الأخرى بمثال يكشف عن المقصود من حال أهل التذكر والخشية وجميل الاعتناء الرباني بهم وأنهم و-{[71606]} إن كانوا في دنياهم ذوي{[71607]} خمول لا يؤبه لهم {[71608]}فهم عنده{[71609]} سبحانه في عداد من اختاره لعبادته وأهله{[71610]} لطاعته وإجابة رسوله{[71611]} صلى الله عليه وسلم وأعلى منزلته لديه " رب أشعث أغبر لا يؤبه له{[71612]} لو أقسم على الله لأبره " ومنهم ابن أم مكتوم الأعمى مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو-{[71613]} الذي {[71614]}بسببه نزلت{[71615]} السورة ووردت{[71616]} بطريق العتب وصاة لنبيه صلى الله عليه وسلم وتنبيهاً على أن يعمل نفسه الكريمة على مصابرة أمثال-{[71617]} ابن أم مكتوم وأن لا يحتقر وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك ، ولكن التحذير من هذا وإن لم يكن وقع{[71618]} يشعر بعظيم الاعتناء بمن حذر ، ومنه قوله سبحانه
{ لئن أشركت ليحبطن عملك }[ الزمر : 65 ] و
{ لا تدع مع الله إلهاً آخر }[ ص : 88 ] و
{ لا تمش في الأرض مرحاً }[ لقمان : 18 ] وهو كثير ، وبسط هذا الضرب لا يلائم مقصودنا في هذا التعليق ، لما دخل عليه صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم سائلاً ومسترشداً وهو صلى الله عليه وسلم يكلم رجلاً من أشراف قريش وقد طمع في إسلامه ورجاء إنقاذه من النار وإنقاذ ذويه وأتباعه ، فتمادى على طلبه{[71619]} هذا الرجل لما كان يرجوه ووكل ابن أم مكتوم إلى إيمانه فأغفل -{[71620]} فورية{[71621]} مجاوبته وشق عليه إلحاحه خوفاً من تفلت{[71622]} الآخرة ومضيه على عقبه وهلاكه عتب سبحانه وتعالى عليه فقال :
{ عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر }[ عبس : 1 – 4 ] وهي منه سبحانه واجبة ، وقد تقدم في السورة قبل قول موسى عليه الصلاة والسلام
{ هل لك إلى أن تزكى }[ النازعات : 18 ] فلم يقدر له بذلك ولا انتفع ببعد صيته في دنياه ولا أغنى عنه ما نال منها وبارت مواد-{[71623]} تدبيره وعميت عليه الأنباء إلى أن قال
{ ما علمت لكم{[71624]} من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى }[ القصص : 38 ]
{ وإني لأظنه كاذباً وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل }[ غافر : 37 ] فأنى يزكى ؟ ولو سبقت له سعادة لأبصر من حاله عين اللهو وللعب حين مقالته الشنعاء
{ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين }[ الزخرف : 52 ] .
ولما سبقت لابن أم مكتوم الحسنى لم يضره عدم الصيت الدنياوي ولا أخل{[71625]} به عماه بل عظّم ربه شأنه لما نزل في حقه
{ وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى }[ عبس : 2 – 4 ] فيا له صيتاً{[71626]} ما أجله بخلاف من قدم ذكره ممن طرد فلم يتزك{[71627]} ولم ينتفع بالذكرى حين قصد بها
إنما أنت منذر من يخشاها }[ النازعات : 45 ] كابن أم مكتوم ، ومن نمط ما نزل في ابن أم مكتوم قوله تعالى :
{ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه }[ الكهف : 28 ] وقوله :
{ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه-{[71628]} }[ الأنعام : 52 ] فتبارك ربنا ما أعظم لطفه بعبيده - اللهم لا تؤيسنا من رحمتك {[71629]}ولا تقنطنا من لطفك{[71630]} ولا تقطع بنا عنك بمنك وإحسانك – انتهى{[71631]} .
ولما كان فعله ذلك فعل من يخشى أن يكون عليه في بقائهم على كفرهم ملامة ، بين له أنه سالم من ذلك فقال : { وما } أي-{[71632]} فعلت ذلك والحال أنه ما { عليك } أي من{[71633]} بأس في { ألا يزكّى * } أصلاً ورأساً ولو بأدنى تزك - بما أشار إليه الإدغام -{[71634]} إن عليك إلا البلاغ ، ويجوز أن يكون استفهاماً أي وأي شيء يكون عليك في عدم تزكيه وفيه إشارة إلى أنه يجب الاجتهاد في تزكية التابع الذي عرف منه القبول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.