إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كَلَّا لَمَّا يَقۡضِ مَآ أَمَرَهُۥ} (23)

{ كَلاَّ } ردعٌ للإنسان عمَّا هو عليه . وقولُه تعالى : { لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ } بيانٌ لسبب الرَّدعِ أي لم يقضِ بعدُ من لدنِ آدمَ عليهِ السَّلامُ إلى هذه الغايةِ مع طولِ المَدَى وامتدادِه ما أمرَهُ الله تعالَى بأسرِه إذْ لا يخلُو أحدٌ من تقصير ما كذا قالُوا وهكَذا نُقلَ عن مجاهدٍ وقَتَادَةَ ولا ريبَ في أنَّ مساقَ الآياتِ الكريمةِ لبيانِ غايةِ عظيمِ جنايةِ الإنسانِ وتحقيقِ كُفرانِه المفرطِ المستوجب للسخطِ العظيمِ وظاهرٌ أنَّ ذلكَ لا يتحققُ بهذا القدرِ من نوعِ تقصيرٍ لا يخلُو عنْهُ أحدٌ من أفرادِه كيفَ لا وقَدْ قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ :

«شيبتنِي سورة هودٍ »{[820]} لمَا فيهَا من قولِه تعالى : فاستقمْ كَما أُمرتَ . فالوجُه أنْ يحملَ عدمُ القضاءِ على عمومِ النفي لا على نفي العمومِ إمَّا عَلى أنَّ المحكومَ عليهِ هُو المستغني أو هو الجنسُ لكنْ لا عَلى الإطلاقِ بَلْ على أنَّ مصداقَ الحكمِ بعدمِ القضاءِ بعضُ أفرادِه وقد أُسندَ إلى الكُلِّ كَما في قولِه تعالى : { إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ سورة إبراهيم ، الآية 34 ] للإشباعِ في اللومِ بحكمِ المجانسةِ على طريقةِ قولِهم بنُو فلان قتلُوا فلاناً والقاتلُ واحدٌ منهم ، وإمَّا على أنَّ مصداقَهُ الكلُّ من حيثُ هو كلٌّ بطريقِ رفعِ الإيجابِ الكليِّ دونَ السلبِ الكليِّ ، فالمَعْنى لَمَّا يقضِ جميعُ أفرادِه ما أمرَهُ بل أخلَّ به بعضُها بالكفرِ والعصيانِ مع أنْ مُقتضَى ما فُصِّل من فنونِ النعماءِ الشاملةِ للكلِّ أنْ لا يتخلفَ عنه أحدٌ أصلاً . هذا وقد قيلَ كلاَّ بمَعْنى حقاً فيتعلقُ بما بعدَهُ أي حقَّاً لم يعملْ بِما أمرَهُ به .


[820]:أخرجه الترمذي في كتاب التفسير سورة (56) باب (6).