اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَلَّا لَمَّا يَقۡضِ مَآ أَمَرَهُۥ} (23)

قوله تعالى : { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } «كلاَّ » : ردعٌ للإنسان عن تكبُّره ، وترفعه ، وعن كفره ، وإصراره عن إنكار التوحيد ، وعلى إنكار البعث ، والحشر والنشر وقوله تعالى : { لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } قال مجاهد وقتادة : لا يقضي أحدٌ جميع ما أمر به ، وهو إشارة إلى أن الإنسان لا ينفكُّ عن تقصير ألبتَّة{[59370]} .

قال ابن الخطيب{[59371]} : وعندي في هذا التفسير نظر ؛ لأن الضمير فيه عائد إلى المذكور السَّابق وهو الإنسان في قوله تعالى : { قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ } وليس المراد من الإنسان هنا : جميع الإنسان ، بل الإنسان الكافر ، فقوله تعالى : { لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } ، كيف يمكن حمله على جميع الناس ؟ .

وقال ابن فورك : كلاَّ لما يقض الله ما أمره ، [ كلا لم يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان وترك التكبر ، بل أمره بما لم يقض له به وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول لما يقض ما أمره ] : لم يبال بالميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم - عليه الصلاة والسلام - .

وقيل : المعنى : إن ذلك الإنسان الكافر لم يقض ما أمره به من التَّأمُّلِ في دلائل الله تعالى ، والتَّدبُّر في عجائب خلقه .

قوله : «ما أمره » ، «ما » : موصولة .

قال أبو البقاء{[59372]} : بمعنى «الذي » ، والعائد محذوف ، أي : ما أمره به .

قال شهابُ الدين{[59373]} : وفيه نظر ، من حيثُ إنَّه قدر العائد مجروراً بحرف لم يجر الموصول ، ولا أمره به ، فإن قلت : «أمر » يتعدى إليه بحذف الحرف ، فاقدره غير مجرور .

قلت : إذا قدرته غير مجرور فإمَّا أن تُقدِّره متصلاً أو منفصلاً ، وكلاهما مشكل ، لما تقدم في أول «البقرة » عند قوله تعالى : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [ البقرة : 3 ] .

وقال الحسن : «كلاَّ » معناه : «حقًّا » ، «لما يقض » : أي : لم يعمل بما أمره به{[59374]} .

قال القرطبي{[59375]} : و«ما » في قوله : «لما » عماد للكلام ، كقوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله } [ آل عمران : 159 ] ، وقوله تعالى : { عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } [ المؤمنون : 40 ] .

وقال ابن الأنباريِّ : الوقف على «كلاَّ » قبيح ، والوقف على «أمره » و «نشره » جيد ، ف «كلا » على هذا بمعنى حقًّا .


[59370]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/448)، عن مجاهد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/520)، وعزاه إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر. وينظر تفسير الماوردي (6/206)، والقرطبي (19/143).
[59371]:ينظر: الرازي 31/56.
[59372]:الإملاء 2/281.
[59373]:الدر المصون 6/480.
[59374]:ذكره القرطبي في تفسيره (19/143)، عن الحسن.
[59375]:الجامع لأحكام القرآن 19/143.