ولما كانت الأنفس مختلفة الهمم متباينة{[35929]} السجايا والشيم ، كان هذا غير كافٍ في التهديد لكلها ، فأتبعه تهديداً أشد منه بالنسبة إلى تلك النفوس فقال منتقلاً من أسلوب الإقبال إلى مقام الإعراض المؤذن بزواجر الغضب{[35930]} : { قل } أي يا{[35931]} أعظم الخلق شفقة ورفقاً ونصيحة لمن لم{[35932]} يُزعمه ما تقدم من الزواجر أنه يجب تحمل جميع هذه المضار في الدنيا ليبقى الدين{[35933]} سالماً ولا ينثلم { إن كان آباؤكم } أي الذين{[35934]} أنتم أشد شيء توقيراً لهم { وأبناؤكم } أي الذين هم أعز الناس لديكم وأحبهم إليكم { وإخوانكم } أي الذين هم من أصولكم فهم كأنفسكم { وأزواجكم } أي اللاتي هن سكن لكم { وعشيرتكم } أي التي{[35935]} بها تمام الراحة وقيام العز والمنعة{[35936]} وهم أهل الإنسان الأدنون الذين يعاشرونه .
ولما قدم سبحانه ما هو مقدم على المال عند أولي الهمم العوال قال : { وأموال اقترفتموها } أي اكتسبتموها بالمعالجة من الأسفار وغيرها لمعاشكم { وتجارة تخشون كسادها } أي لفوات أوقات نفاقها بسبب اشتغالكم{[35937]} بما ندب الله سبحانه إليه فيفوت - على{[35938]} ما تتوهمون - ما به قوامكم { ومساكن ترضونها } أي لأنها مجمع لذلك{[35939]} كله ، ولقد رتبها سبحانه أحسن ترتيب ، فإن الأب أحب المذكورين لما هنا من شائبة النصرة ، وبعده الابن ثم الأخ ثم الزوج ثم العشير الجامع للذكور والإناث ثم المال الموجود في اليد ثم المتوقع ربحه بالمتجر ، وختم بالمسكن لأنه الغاية التي كل ما تقدم أسباب للاسترواح فيه والتجمل به { أحب إليكم من الله } أي الجامع لصفات الكمال الذي أنعم عليكم بجميع ما ذكر ، ومتى شاء سلبكموه { ورسوله } أي الذي أتاكم بما به حفظ هذه النعم في الدارين { وجهاد في سبيله } أي لرد الشارد من عباده إليه وجمعهم عليه ، وفي قوله - : { فتربصوا } أي انتظروا متبصرين - تهديد بليغ { حتى يأتي الله } أي الذي له الإحاطة بكل شيء { بأمره } أي الذي لا تبلغه أوصافكم ولا تحتمله قواكم .
ولما كان{[35940]} من آثر حب شيء من ذلك على حبه تعالى ، كان مارقاً من دينه{[35941]} راجعاً إلى دين من آثره ، وكان التقدير : فيصيبكم بقارعة لا تطيقونها ولا تهتدون إلى دفعها بنوع حيلة ، لأنكم اخترتم لأنفسكم منابذة الهداية ومعلوم أن من كان كذلك فهو مطبوع في الفسق ، عطف عليه قوله : { والله } أي الجامع لصفات الكمال { لا يهدي القوم } أي لا يخلق الهداية في قلوب { الفاسقين* } أي الذين استعملوا ما عندهم من قوة{[35942]} القيام{[35943]} فيما يريدون من{[35944]} الفساد حتى صار الفسق - وهو الخروج مما حقه المكث فيه و التقيد{[35945]} به وهو هنا الطاعة - خلقاً من أخلاقهم ولازماً من لوازمهم ، بل يكلهم إلى نفوسهم فيخسروا الدنيا والآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.