نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (26)

{ ثم أنزل الله } أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال { سكينته } أي رحمته ، وهي الأمر الذي يسكن القلوب عن أن تتأثر بما يدهمها من البلاء من الوثوق به سبحانه ومشاهدة جنابه الأقدس والغناء عن غيره .

ولما كان المقام للرسالة ، وكان تأييد مدعيها من أمارات صدقه في دعوى أنه رسول ، وأن مرسله قادر على ما يريد لا سيما إن كان تأييده على وجه خارق للعادة ، عبر به دون وصف النبوة فقال{[35957]} : { على رسوله } أي زيادة على ما كان به من السكينة التي لم يحز مثلها أحد ، {[35958]}ثبت بها{[35959]} الثلاثين ألفاً أو عشرين ألفاً أو أربعة آلاف على اختلاف الروايات في عشرة أنفس أو مائة أو ثلاثمائة -{[35960]} على الاختلاف أيضاً ، لم يكن{[35961]} ثباتهم إلا به ، ثم لم يزده ذلك إلا تقدماً حتى أن كان العباس عمه وأبو سفيان بن الحارث ابن عمه رضي الله عنهما ليكفان بغلته عن بعض التقدم ، ولعل العطف ب " ثم " إشارة إلى علو رتبة ذلك الثبات واستبعاد أن يقع مثله في مجاري العادات { وعلى المؤمنين } أي أما من كان منهم ثابتاً فزيادة على ما كان له من ذلك ، وأما غيره فأعطي ما لم يكن في ذلك الوقت له ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس رضي الله عنه بعدما فر الناس : ناد فيهم يا عباس ! فنادى{[35962]} وكان صيتاً : ياعباد الله ! يا أصحاب الشجرة ! يا أصحاب سورة البقرة ! فكروا عنقاً واحداً يقولون : لبيك لبيك ! ويحتمل أن يكون ذكر الرسول عليه السلام لمجرد التبرك كما في ذكر الله في قوله :

{ فأن لله خمسه }{[35963]}[ الأنفال : 41 ] وزيادة في تعظيم الامتنان{[35964]} به لأن النفوس إلى ما أعطى منه الرسول أميل والقلوب له أقبل لاعتقاد جلاله وعظمته وكماله { وأنزل } أي من السماء { جنوداً لم تروها } أي من الملائكة عليهم السلام { وعذب } أي بالقتل والأسر والهزيمة والسبي والنهب { الذين كفروا } عبر بالفعل لأن فيهم من آمن بعد ذلك .

ولما كان ما عذب به من أوجد مطلق هذا الوصف عظيماً ، أتبعه بيان جزاء العريق في ذلك ترهيباً لمن آثر حب شيء مما مضى على حب الله فقال : { وذلك } أي العذاب{[35965]} الذي منه ما عذب به{[35966]} هؤلاء وغيره { جزاء الكافرين* } أي الراسخين في وصف الكفر الذين آثروا حب من تقدم من الآباء وغيرهم على الله فثبتوا على تقليد{[35967]} الآباء في الباطل بعدما رأوا من الدلائل ما بهر{[35968]} الشمس ولم يدع شيئاً من لبس ، وأما الذين لم يكن كفرهم راسخاً فكان ذلك صلاحاً لهم لأنه قادهم إلى الإسلام ، فقد تبين أن المنصور من نصره الله قليلاً كان أو كثيراً ، وأن القلة والكثرة والقوة والضعف بالنسبة إلى قدرته سواء ، فلا تغتروا بما ألزمكم من النعم فإنه قادر على نزعها ، لا يستحق أحد عليه شيئاً ، ولا يقدر أحد على رد قضائه ، وفي ذلك إعلام بأنه لا يرتد{[35969]} بعد إيمانه إلا من كان عريقاً في الكفر ، وفيه أبلغ تهديد لأنه إذا عذب من أوجد الكفر وقتاً ما فكيف بمن رسخ فيه !


[35957]:زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[35958]:من ظ، وفي الأصل: ثبتها.
[35959]:من ظ، وفي الأصل: ثبتها.
[35960]:زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[35961]:من ظ، وفي الأصل: لم تكن.
[35962]:سقط من ظ.
[35963]:سورة 8 آية 41.
[35964]:في ظ: الامتناع.
[35965]:سقط من ظ.
[35966]:سقط من ظ.
[35967]:من ظ، وفي الأصل: تقليه ـ كذا.
[35968]:في ظ: أبهر.
[35969]:في ظ: لا يريد.