إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (24)

{ قُلْ } تلوين للخطاب وأمرٌ له عليه الصلاة والسلام بأن يُثبِّت المؤمنين ويقوّيَ عزائمَهم على الانتهاء عما نُهوا عنه من موالاة الآباءِ والإخوانِ ويزهِّدَهم فيهم وفيمن يجري مجراهم من الأبناء والأزواج ويقطعَ علائقَهم عن زخارف الدنيا وزينتِها على وجه التوبيخ والترهيب { إِن كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وإخوانكم وَأَزْوَاجُكُم } لم يُذكر الأبناءُ والأزواجُ فيما سلف لأن موالاةَ الأبناءِ والأزواجِ غيرُ معتادةٍ بخلاف المحبة { وَعَشِيرَتُكُمْ } أي أقرباؤُكم مأخوذ من العِشرة أي الصحبة وقيل : من العشَرة فإنهم جماعةٌ ترجِع إلى عَقد كعقد العشرة ، وقرئ عشيراتكم وعشائرُكم { وأموال اقترفتموها } أي اكتسبتموها وإنما وصفت بذلك إيماءً إلى عزتها عندهم لحصولها بكد اليمين { وتجارة } أي أمتعةٌ اشتريتموها للتجارة والربح { تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } بفوات وقتِ رواجِها بغَيْبتكم عن مكةَ المعظمةِ في أيام الموسم { ومساكن تَرْضَوْنَهَا } أي منازلُ تعجبكم الإقامةُ فيها من الدور والبساتينِ ، والتعرُّضُ للصفات المذكورة للإيذان بأن اللومَ على محبة ما ذكر من زينة الحياةِ الدنيا ليس لتناسي ما فيها من مبادي المحبة وموجباتِ الرغبة فيها وأنها مع ما لها من فنون المحاسنِ بمعزل عن أن يُؤثَرَ حبُّها على حبه تعالى وحبِّ رسولِه عليه الصلاة والسلام كما في قوله عز وجل : { مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم } [ الانفطار : 6 ] { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ منَ الله وَرَسُولِهِ } بالحب الاختياري المستتبع لأثره الذي هو الملازمة وعدمُ المفارقةِ لا الحُبُّ الجِبِليُّ الذي لا يخلو عنه البشرُ فإنه غيرُ داخلٍ تحت التكليفِ الدائرِ على الطاقة .

{ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ } نُظم حبُّه في سلك حبِّ الله عز وجل وحبِّ رسولِه صلى الله عليه وسلم تنويهاً لشأنه وتنبيهاً على أنه مما يجب أن يُحَبَّ فضلاً عن أن يُكرَه وإيذاناً بأن محبتَه راجعةٌ إلى محبتهما فإن الجهادَ عبارةٌ عن قتال أعدائِهما لأجل عداوتِهم فمَن يحبُّهما يجب أن يحِبَّ قتالَ من لا يحبُّهما { فَتَرَبَّصُواْ } أي انتظروا { حتى يأتي الله بِأَمْرِهِ } عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فتحُ مكةَ وقيل : هي عقوبةٌ عاجلةٌ أو آجلة { والله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين } الخارجين عن الطاعة في موالاة المشركين أو القومَ الفاسقين كافةً فيدخل في زمرتهم هؤلاءِ دخولاً أولياً ، أي لا يرشدهم إلى ما هو خيرٌ لهم . وفي الآية الكريمة من الوعيد ما لا يكاد يَتخلّص منه إلا من تداركه لطفٌ من ربه والله المستعان .