لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه والأب لابنه والأخ لأخيه والرجل لزوجته : إنا قد أمرنا بالهجرة ، فمنهم من تسارع لذلك ، ومنهم من أبى أن يهاجر ، فيقول : والله لئن لم تخرجوا إلى دار الهجرة لا أنفعكم ولا أنفق عليكم شيئا أبدا . ومنهم من تتعلق به امرأته وولده ويقولون له : أنشدك بالله ألا تخرج فنضيع بعدك ، فمنهم من يرق فيدع الهجرة ويقيم معهم ، فنزلت " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان " . يقول : إن اختاروا الإقامة على الكفر بمكة على الإيمان بالله والهجرة إلى المدينة . " ومن يتولهم منكم " بعد نزول الآية " فأولئك هم الظالمون " . ثم نزل في الذين تخلفوا ولم يهاجروا : " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم " وهي الجماعة التي ترجع إلى عقد واحد كعقد العشرة فما زاد ، ومنه المعاشرة وهي الاجتماع على الشيء . " وأموال اقترفتموها " يقول : اكتسبتموها بمكة . وأصل الاقتراف اقتطاع الشيء من مكانه إلى غيره . " وتجارة تخشون كسادها " قال ابن المبارك : هي البنات والأخوات إذا كسدن في البيت لا يجدن لهن خاطبا . قال الشاعر :
كَسَدْنَ من الفقر في قومهن*** وقد زادهن مقامي كسودا
" ومساكن ترضونها " يقول : ومنازل تعجبكم الإقامة فيها . " أحب إليكم من الله ورسوله من أن تهاجروا إلى الله ورسوله بالمدينة . " وأحب " خبر كان . ويجوز في غير القرآن رفع " أحب " على الابتداء والخبر ، واسم كان مضمر فيها . وأنشد سيبويه :
إذا مِتُّ كان الناس صنفان : شامتٌ*** وآخر مُثْنٍ بالذي كنت أصنع{[7888]}
هي الشفاء لدائي لو ظفرتُ بها *** وليس منها شفاءُ الداء مبذول{[7889]}
وفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله ، ولا خلاف في ذلك بين الأمة ، وأن ذلك مقدم على كل محبوب . وقد مضى في " آل عمران{[7890]} " معنى محبة الله تعالى ومحبة رسوله . " وجهاد في سبيله فتربصوا " صيغته صيغة أمر ومعناه التهديد . يقول : انتظروا . وفي قوله : " وجهاد في سبيله " دليل على فضل الجهاد ، وإيثاره على راحة النفس وعلائقها بالأهل والمال . وسيأتي فضل الجهاد في آخر السورة . وقد مضى من أحكام الهجرة في " النساء{[7891]} " ما فيه كفاية ، والحمد لله . وفي الحديث الصحيح ( إن الشيطان قعد لابن آدم ثلاث مقاعد قعد له في طريق الإسلام ، فقال : لِمَ تذر دينك ودين آبائك ؟ فخالفه وأسلم وقعد له في طريق الهجرة فقال له : أتذر مالك وأهلك فخالفه وهاجر ثم قعد في طريق الجهاد فقال له : تجاهد فتقتل فينكح أهلك ويقسم مالك فخالفه وجاهد فحق على الله أن يدخله الجنة ) . وأخرجه النسائي من حديث سبرة بن أبي فاكه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الشيطان . . . ) فذكره . قال البخاري : ( ابن الفاكه ) ولم يذكر فيها اختلافا . وقال ابن أبي عدي : يقال ابن الفاكه وابن أبي الفاكه . انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.