السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (24)

ولما نزلت هذه الآية قال الذين أسلموا ولم يهاجروا : إن نحن هاجرنا ضاعت أموالنا وذهبت تجارتنا وخربت دورنا وقطعنا أرحامنا ، فنزل قوله تعالى :

{ قل } يا محمد لهؤلاء الذين قالوا هذه المقالة { إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم } أي : أقرباؤكم مأخوذ من العشرة ، وقيل : من العَشَرة ، فإن العشرة جماعة ترجع إلى عقد كعقد العشرة { وأموال اقترفتموها } أي : اكتسبتموها { وتجارة تخشون كسادها } أي : عدم نفاقها بفراقكم لها { ومساكن ترضونها } أي : تستوطنونها راضين بسكناها { أحب إليكم من الله ورسوله } أي : الهجرة إلى الله ورسوله { وجهاد في سبيله } فقعدتم لأجل ذلك عن الهجرة والجهاد ، أي : إن كانت رعاية هذه المصالح الدنيوية عندكم أولى من طاعة الله وطاعة رسوله ، ومن المجاهدة في سبيل الله { فتربصوا } أي : انتظروا متربصين وهو تهديد بليغ { حتى يأتي الله بأمره } . قال مجاهد بقضائه أي : عقوبة عاجلة أو آجلة ، وقال مقاتل بفتح مكة { والله لا يهدي القوم } أي : لا يخلق الهداية في قلوب { الفاسقين } أي : الخارجين عن طاعته ، وفي هذا دليل على أنه إذا وقع تعارض بين مصالح الدين ومصالح الدنيا وجب على المسلم ترجيح مصالح الدين على مصالح الدنيا .