فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (24)

ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم : { إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ } إلى آخره ، والعشيرة : الجماعة التي ترجع إلى عقد واحد ، وعشيرة الرجل : قرابته الأدنون ، وهم الذين يعاشرونه ، وهي اسم جمع . وقرأ أبو بكر وحماد «عشيراتكم » بالجمع . قال الأخفش : لا تكاد العرب تجمع عشيرة على عشيرات . وإنما يجمعونها على عشائر . وقرأ الحسن «عشائركم » . وقرأ الباقون { عشيرتكم } والاقتراف : الاكتساب ، وأصله : اقتطاع الشيء من مكانه ، والتركيب يدور على الدنو . والكاسب يدني الشيء من نفسه ويدخله تحت ملكه ، والتجارة الأمتعة التي يشترونها ليربحوا فيها ، والكساد عدم النفاق لفوات وقت بيعها بالهجرة ومفارقة الأوطان . ومن غرائب التفسير ما روي عن ابن المبارك أنه قال : إن المراد بالتجارة في هذه الآية البنات والأخوات ، إذا كسدن في البيت لا يجدن لهنّ خاطباً ، واستشهد لذلك بقول الشاعر :

كسدن من الفقر في قومهن *** وقد زادهنّ مقامي كسادا

وهذا البيت وإن كان فيه إطلاق الكساد على عدم وجود الخاطب لهنّ فليس فيه جواز إطلاق اسم التجارة عليهنّ . والمراد بالمساكن التي يرضونها : المنازل التي تعجبهم وتميل إليها أنفسهم ، ويرون الإقامة فيها أحبّ إليهم من المهاجرة إلى الله ورسوله ، وأحبّ خبر كان : أي كانت هذه الأشياء المذكورة في الآية أحبّ إليكم من الله ورسوله ومن الجهاد في سبيل الله { فَتَرَبَّصُواْ } أي : انتظروا { حتى يَأْتِي الله بِأَمْرِهِ } فيكم ، وما تقتضيه مشيئته من عقوبتكم ، وقيل : المراد بأمر الله سبحانه : القتال . وقيل : فتح مكة وفيه بعد ، فقد روي أن هذه السورة نزلت بعد الفتح . وفي هذا وعيد شديد ، ويؤكده إبهام الأمر وعدم التصريح به ، لتذهب أنفسهم كل مذهب وتتردّد بين أنواع العقوبات ، { والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين } أي الخارجين عن طاعته ، النافرين عن امتثال أوامره ونواهيه .

/خ24