التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{لَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ كِتَٰبٗا فِيهِ ذِكۡرُكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (10)

3 ذكركم : قيل : إنها بمعنى تذكيركم وعظتكم ، وقيل : إنها بمعنى شرفكم ورفعة شأنكم ، والقول الأول أكثر اتفاقا مع السياق .

{ ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون ( 6 ) وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر1 إن كنتم لا تعلمون ( 7 )وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ( 8 ) ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين2 ( 9 ) لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم 3 أفلا تعقلون ( 10 ) } [ 6-10 ] .

صلة الآيات بسابقاتها واضحة ، وقد احتوت ردودا على أقوال الكفار المحكية في الآيات السابقة وتبكيتا ، وانطوى فيها تطمين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كما يلي :

إن الذين أهلكهم الله من قبلهم لم يؤمنوا بالآيات التي طلبوها ، فهل يؤمن هؤلاء ، وهم مثلهم في الكفر والعناد .

إن الرسل الذين أرسلهم الله قبل النبي هم بشر مثله اختصهم بوحيه . ولم يجعل الله أحدا منهم متصفا بصفة خارقة لصفات البشر فيعيش بدون طعام أو يبقى خالدا لا يموت ، وعلى الذين يمارون في ذلك أن يسألوا أهل الكتب السماوية .

ولقد حقق الله وعده لرسله الأولين ، فأهلك الظالمين المسرفين في العناد والآثام ، ونجّى رسله ومن وفقه الله فاهتدوا بهديهم .

ولقد أنزل الله إليهم كتابا فيه من المواعظ البالغة والحجج الدامغة والبيان الواضح ما فيه هدايتهم وتذكيرهم وتبصيرهم ، فهل فقدوا عقولهم حتى لم يعودوا يفهمون ، ويتبينون الحق والحقيقة .

وما احتوته الآيات قد جاء في آيات سابقة نزلت في مواقف مماثلة .

ولقد علقنا على الردود في المناسبات السابقة بما يغني عن تعليق جديد إلا القول : إن فيما ظل يتكرر حكايته من مواقف الكفار وتحدياتهم يدل على ما كان من شدة عنادهم ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم ظل يقوم بمهمته ، ويتلو آيات القرآن ، ويقذف بما احتواه من ردود قوية عنيفة في وجوههم دون مبالاة بقوتهم ومواقفهم حتى صدق الله وعده له ، وتم انتصار دينه على يده .

وقد يكون في الآية الأولى معنى من معاني عدم احتمال إيمان الكفار . غير أن المتبادر أنها في صدد تسجيل واقع أمرهم وشدة مناوأتهم وعنادهم عند نزول الآية ؛ لأن معظمهم قد آمنوا وحسن إيمانهم كما هو ثابت يقينا ، إلا إذا كان المقصود منهم الزعماء الذين هلك كثير منهم دون أن يؤمنوا .