التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٞ فَلۡيَأۡتِنَا بِـَٔايَةٖ كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ} (5)

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية الأخيرة حديثا رواه ابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت قال : ( كنا في المسجد ومعنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقرأ بعض القرآن ، فجاء عبد الله بن أبيّ بن سلول ومعه نمرقة وزربية فوضع واتكأ وكان صبيحا فصيحا جدلا ، فقال : يا أبا بكر قل لمحمد يأتينا بآية كما جاء الأولون . جاء موسى بالألواح وجاء داود بالزبور ، وجاء صالح بالناقة . وجاء عيسى بالمائدة والإنجيل ، فبكى أبو بكر فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : قوموا بنا إلى رسول الله نستغيث به من هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لا يقام لي إنما يقام لله عز وجل . فقلنا : يا رسول الله إنا لقينا من هذا المنافق . فقال : إن جبريل قال لي اخرج فأخبر بنعم الله التي أنعم بها عليك وفضيلته التي فضلت بها ، فبشرني أني بعثت إلى الأحمر والأسود ، وأمرني أن أنذر الجن وأتاني كتاب وأنا أمّي وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر ، وذكر اسمي في الأذان وأمدّني بالملائكة ، وأتاني النصر وجعل الرعب أمامي ، وأتاني الكوثر ، وجعل حوضي من أكثر الحياض يوم القيامة ، ووعدني المقام المحمود والناس مهطعون مقنعو رؤوسهم ، وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس ، وأدخل في شفاعتي سبعين ألفا من أمتي بغير حساب ، وأتاني السلطان والملك ، وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في جنات النعيم ، فليس فوقي أحد إلا الملائكة الذين يحملون العرش ، وأحل لي ولأمتي الغنائم ، ولم تحل لأحد كان قبلنا ) .

وعقب ابن كثير على الحديث فقال : إنه غريب جدا . ومعظم ما جاء في الحديث قد ورد في أحاديث صحيحة كما ورد إلى بعض ما جاء فيه إشارات عديدة في القرآن ، وحين يصف علماء الحديث حديثا بالغرابة فإنهم يعنون في الغالب غرابة طرق روايته ورواته .

ومهما يكن من أمر فليس في الحديث ما يفيد أن الآية نزلت لتحكي قول المنافق ، فالصورة فيه مدنية ، ولا خلاف في مكية الآية . وليس هناك روايات أخرى فيما اطلعنا عليه في مناسبة الآيات التي احتوت صورا من المواقف العنيدة التي كان يقفها الكفار ، وبخاصة زعمائهم والأقوال التي كانوا يقولونها في معرض مناوأة النبي وتحديه كلما تلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله . وقد احتوت تنديدا وإنذارا ، والمتبادر أنها جاءت مقدمة للسياق الذي جاء بعدها ، والذي احتوى حكاية أقوال ومواقف أخرى لهم وتنديدا بهم وإنذارا لهم عليها .

ولقد تكررت حكاية هذه الصور والأقوال مما يدل على أنها كانت تتكرر بتكرر المناسبات والمواقف ؛ حيث كانت هذه تتكرر نتيجة لاستمرار النبي في دعوته ورسالته .

ولقد أوردنا تعليقات متنوعة عليها في المناسبات السابقة فلا نرى ضرورة للإعادة .