التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يَعۡرُجُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥٓ أَلۡفَ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (5)

{ الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ( 4 ) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون( 5 ) ذلك عالم الغيب والشهادة 1 العزيز الرحيم ( 6 ) الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ( 7 ) ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين 2 ( 8 ) ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون( 9 ) } [ 4-9 ] .

عبارة الآيات واضحة . وضمائر الجمع المخاطب فيها راجعة إلى الكفار على ما تفيده العبارة . وتكون بذلك الصلة قائمة بينها وبين الآيات السابقة . وقد استهدفت تدعيم الرد الذي احتوته الآية السابقة لها مباشرة وتضمنت تنديدا بالكفار الذين لا ينتبهون ولا يتدبرون في كون الله العظيم الذي خلق كل شيء فيه على أحسن وأحكم صورة وفي تصرفه فيه بانفراد ببالغ الحكمة وشمول القدرة فلا يغيب عن عمله وحكمه وقدرته في سماء ولا أرض ، ثم الذي خلقهم من تراب ثم جعلهم من نطفة ضئيلة هينة الشأن ومنحهم نسمة الحياة وجهزهم بالسمع والإبصار والأفئدة أي العقول . ولا يرعوون عن التماس الولاء والشفاعة من غيره مع أنه ليس هناك لأحد ولي ولا شفيع من دونه ، ولا يشكرونه على أفضاله ونعمه ويؤدون حقه من الخضوع والإخلاص التام له وحده .

وأسلوب الآيات قوي نافذ إلى القلوب والعقول ، ومن شأنه إثارة شعور الإجلال والإكبار لله في النفس السليمة الطويلة الراغبة في الحق والهدى وبعث القناعة فيها بوجود واجب الوجود وكمال صفاته وعظيم قدرته واستحقاقه وحده للخضوع والاتجاه .

والحجة في الآيات ملزمة للكفار موضوع الكلام ؛ لأنهم يعتقدون أن الله هو خالق الأكوان ومدبرها والضار والنافع وحده ، على ما مرت حكايته عنهم في سور عديدة سابقة .

ويلحظ أن بعض ما جاء في هذه الآيات جاء في أول السورة السابقة وفي أواخرها أيضا ، ونقول هنا ما قلناه قبل من أن مرد ذلك على ما هو المتبادر تكرر المواقف وتجدد المناسبات .

والعبارة التي جاءت في هذه الآيات عن كيفية خلق السماوات والأرض ومدته واستواء الله على العرش وأطوار خلق الإنسان وشمول حكم الله وقدرته قد وردت في سور أخرى سبق تفسيرها ولقد علقنا بما فيه الكفاية على تعبير { ونفخت فيه من روحي } [ 72 ] في سياق سورة ( ص ) فلا نرى ضرورة لإعادة أو زيادة كذلك .

تعليق على آية

{ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه

في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون }

ولقد قال المفسرون في صدد هذه الآية عزوا إلى ابن عباس وبعض علماء التابعين : إن المسافة بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام من سني الدنيا فتقطع في نصف يوم بالنزول وفي مثله بالعروج . ووقفوا عند آية سورة المعارج هذه : { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره ألف سنة4 } فقالوا بسبيل التوفيق إن آية السجدة هي بصدد المسافة بين الأرض والسماء الدنيا في حين أن آية المعارج هي بصدد المسافة من الأرض السابعة إلى ما فوق السماوات السبع ، وليس في هذا التحليل ما فيه التوقيف المقصود ؛ لأن صفة اليوم غير متغيرة ، وهي في آية كألف سنة وفي آية كخمسين ألف سنة . ومنهم من قال : إن يوم آية السجدة هو نسبة لأيام الدنيا ويوم آية المعارج هو نسبة لأيام الآخرة{[1636]} .

ونقول تعليقا على ذلك ما قلناه في المناسبات المماثلة : إن من الواجب الإيمان بما جاء في القرآن من الأمور المغيبة مع وجوب الوقوف من ذلك عند ما وقف عنده القرآن دون تزيد ولا توسيع ولا سيما إذا لم يكن هناك أحاديث نبوية ثابتة كما هو الحال في هذه المسألة ، وأنه لا طائل من التزيد مع الإيمان بأنه لا بد من أن يكون فيما ورد في القرآن حكمة . وقد يتبادر أن من هذه الحكمة التنويه بقدرة الله وعظمة كونه ومطلق تصرفه كما قد يتبادر أن من هذه الحكمة قصد التقريب إلى الأذهان التي اعتادت أن تقيس الأمور بالحركات والأبعاد والأيام .

وقصد بيان كون المسافات الشاسعة التي يستعظمها الناس هي بالنسبة لقدرة الله تعالى لا تعد شيئا . فالله سبحانه منزه عما تقتضيه الحركات من حدود وجسمانية وقدرته في غنى عن كل ذلك وليس للأبعاد معها معنى ولا قيام والله أعلم .


[1636]:انظر تفسير الايات في تفسير الطبري والبغوي.