معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡـَٔرُونَ} (53)

وقوله : { وَما بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ53 }

( ما ) في معنى جزاء ولها فعل مضمر ، كأنك قلت : ما يكن بكم من نعمة فمن الله ؛ لأن الجزاء لا بدّ له من فعل مجزوم ، إن ظهر فهو جزم ، وإن لم يظهر فهو مضمر ؛ كما قال الشاعر :

إنِ العَقْلُ في أموالنا لا نضِق به *** ذِراعاً وإن صبراً فنَعْرِفُ للصبر

أراد : إن يكن فأضمرها . ولو جعلت ( ما بكم ) في معنى ( الذي ) جاز وجعلت صلته ( بِكُم ) و ( ما ) حينئذ في موضع رفع بقوله { فَمِنَ اللَّهِ } وأدخل الفاء كما قال تبارك وتعالى : { قُلْ إِنَّ المَوْتَ الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ فإنَّهُ مُلاَقِيكُم } وكلّ اسم وصل ، مثل مَن وما والذي ، فقد يجوز دخول الفاء في خبره ؛ لأنه مضارع للجزاء ، والجزاء قد يجاب بالفاء . ولا يجوز أخوك فهو قائم ؛ لأنه اسم غير موصول ، وكذلك مالُك لي . فإن قلت : مالَك جاز أن تقول : فهو لي . وإن ألقيت الفاء فصواب . وما وردَ عليك فقِسه على هذا . وكذلك النكرة الموصُولة . تقول : رجَل يقول الحقّ فهو أحَبُّ إلىَّ مِن قائل الباطل . وإلقاء الفاء أجود في كلّه من دخولها .

والجُؤار : الصوت الشديد . والثور يقال له : قد جأرَ يَجْأَر جُؤارا إذا ارتفع صَوته من جوع أو غيره بالجيم . وكذلك { فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } .