معاني القرآن للفراء - الفراء  
{۞لَيۡسُواْ سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ} (113)

وقوله : { لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائمَةٌ . . . }

ذَكَر أمّه ولم يذكر بعدها أخرى ، والكلام مبنىّ على أخرى يراد ؛ لأن سواء لا بدّ لها من اثنين فما زاد .

ورفع الأمة على وجهين ؛ أحدهما أنك تَكُرُّه على سواء كأنك قلت : لا تستوى أمة صالحة وأخرى كافرة منها أمّة كذا وأمّة كذا ، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان في الكلام دليل عليه ، قال الشاعر :

عصيت إليها القلب إنى لأمرها *** سميع فما أَدرى أَرُشْد طِلابُها

ولم يقل : أم غىّ ، ولا : أم لا ؛ لأن الكلام معروف والمعنى . وقال الآخر :

أراك فلا أدرى أهمّ هممته *** وذو الهمّ قِدما خاشع متضائل

وقال الآخر :

وما أدرى إذا يمَّمت وجها *** أريد الخير أيُّهما يلِينى

أألخير الذي أنا أبتغيه *** أم الشرُّ الذي لا يأتلينى

ومنه قول الله تبارك وتعالى : { أمَّن هو قانِت آناء الليلِ ساجِدا وقائما } ولم يذكر الذي هو ضدّه ؛ لأنّ قوله : { قل هل يستوِي الذِين يعلمون والذِين لا يعلمون } دليل على ما أضمِر من ذلك .

وقوله : { يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آناء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } السجود في هذا الموضع اسم للصلاة لا للسجود ؛ لأن التلاوة لا تكون في السجود ولا في الركوع .