الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞لَيۡسُواْ سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ} (113)

قوله : ( لَيْسُوا سَوَاءً مِّنَ اَهْلِ الْكِتَابِ ) [ 113-114 ] .

هذا مردود على [ قوله ]( {[10631]} ) ( مِّنْهُمُ الْمُومِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) ثم قال : ( لَيْسُوا سَوَاءً ) أي : ليس المؤمنون والفاسقون سواء وتم الكلام ، ( {[10632]} ) ويعني بذلك من آمن من أهل الكتاب ومن لم يؤمن .

والفراء يقدره بمعنى ليست تستوي أمة من أهل الكتاب قائمة من حالها كذا وأمة على غير ذلك ، وهو غلط من وجوه : أحدها أنه يقدر محذوفاً ولا يحل التمام سواء ، وترتفع أمة بسواء ، وإذا فعل ذلك لم يعد على اسم ليس ذكر وسواء ليس بجار على الفعل فيرفع الظاهر ، والمضمر الذي يضمر لا يدل على شيء من الكلام( {[10633]} ) .

وأبو عبيدة يجعل ( لَيْسُوا ) على لغة من قال : أكلوني البراغيت ، ويجعل ( أُمَّةٌ ) اسم ليس و( سَوَاءً ) الخبر ويقدر محذوفاً ، وهو ذكر الكفار من أهل الكتاب ، وهو بعيد لأن ذكر أهل الكتاب قد تقدم ، فليس [ هو ]( {[10634]} ) مثل أكلوني البراغيت لأنه لم يتقدم [ له ]( {[10635]} ) ذكر . ( {[10636]} )

وتصغير ءَانَاءَ ) أوينا تبدل من الألف التي هي فاء الفعل واواً كما تقول : أويد في آدم ، ومعنى الآية : أنه تعالى أعلمنا أنه ليس أهل الإيمان من أهل الكتاب والكفر( {[10637]} ) سواء ، والضمير في ( لَيْسُوا ) يعود على ما تقدم من ذكر المؤمنين والفاسقين ( من أهل الكتاب فقال ) : ( {[10638]} ) من أهل الكتاب ( أُمَّةٌ ) شأنها بالمدح والثناء هذا مذهب البصريين .

والكوفيون( {[10639]} ) يجعلون أمة مرفوعة بسواء والكلام عندهم متصل ، وقد تقدم ما يدخل عليهم كأن تقديره عندهم لا يستوون من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وأخرى كافرة ، قالوا : وترك ذكر الأخرى لدلالة ذكر المؤمنة عليها( {[10640]} ) ومن مذهبهم ألا يجوز سواء [ علي ]( {[10641]} ) قمت حتى تقول أم قعدت ، وأجازوا هنا الحذف ، ويجيزون الحذف إذا كان الكلام مكتفياً بواحد نحو ما أبالي ، وما أدري لاكتفاء ما أبالي بواحد ، أجازوا ما أبالي أقمت ، وما أدري أجليت يريدون أم فعلت كذا ويحذفونه ، ويلزمهم ألا يجيزوا الآية على تأويلهم لأنهم لا يجيزون الحذف مع سواء لنقصانه ، وقد( {[10642]} ) أجازوه( {[10643]} ) في الآية ، وهذا تناقض لأنهم أجازوا في الآية ما لا يجوز في الكلام( {[10644]} ) .

روى ابن( {[10645]} ) وهب عن مالك : أمة قائمة أي قائمة بالحق وهو قول مجاهد والسدي وقتادة والربيع بن أنس وروي مثله عن ابن عباس( {[10646]} ) .

ونزلت هذه الآية في قول عكرمة وابن جبير وابن عباس في عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية ، وأسيد بن عبيد وهم أخيار أهل الكتاب في الوقت ، وأسلم معهم غيرهم فقال : من بقي من أحبار يهود : ما آمن بمحمد –صلى الله عليه وسلم- إلا شرارنا فأنزل الله الآية( {[10647]} ) يفضل فيها من آمن منهم على من لا يؤمن .

وقال الحسن : إن قوله : ( يَتْلُونَ ءَايَاتِ اللَّهِ ءَانَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) يريد ما بين المغرب والعشاء( {[10648]} ) .

وقال ابن مسعود : معناها ليس أهل الكتاب سواء وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، القائمة يتلون آيات الله ويؤمنون بالله ، ويفعلون كذا وكذا( {[10649]} ) . قال مجاهد : قائمة عادلة( {[10650]} ) .

وقال قتادة : قائمة على كتاب الله عز وجل وفرائضه وحدوده( {[10651]} ) .

وقال ابن عباس : قائم أي : مهتدية على أمر الله سبحانه مستقيمة( {[10652]} ) .

وقال السدي : قائمة مطيعة( {[10653]} ) . وقال الأخفش : من أهل الكتاب أمة ( أي : ذو أمة )( {[10654]} ) بمعنى : ذو طريقة حسنة( {[10655]} ) .

وواحد آناء الليل اني : كقُنو وأقناء ، وقيل واحد أني كمعي وأمعاء( {[10656]} ) وحكى الأخفش أني( {[10657]} ) .

وقال قتادة : آناء الليل ساعاته( {[10658]} ) أي : يتلون في ساعات( {[10659]} ) الليل . وقال السدي : هي جوف الليل( {[10660]} ) . وقال ابن مسعود : [ آيات الله ]( {[10661]} ) آناء الليل صلاة العتمة يصلونها ، وما سواهم لا يصليها( {[10662]} ) وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ليلة ، وقد أخر الصلاة قال : فجاء النبي عليه السلام( {[10663]} ) ومنا المصلي ومنا المضطجع فبشرنا ، وقال : إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب : فأنزل عز وجل ( لَيْسُوا سَوَاءً )( {[10664]} ) الآية .

وروى الثوري عن منصور أنها نزلت في قوم كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء( {[10665]} ) .

ومعنى يتلون آناء الليل : يتبعون بعضها بعضاً( {[10666]} ) ، ( ومعنى )( {[10667]} ) ( وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) أي : يصلون( {[10668]} ) .

وقيل : المعنى يتلون الآيات في الصلاة ، وهم مع ذلك يسجدون في الصلاة يعني السجود المعروف في الصلاة( {[10669]} ) .


[10631]:- ساقط من (أ).
[10632]:- تم الكلام لأن ما بعده مبتدأ إلا في قول الفراء، والتقدير عنده: ليست تستوي أمة قائمة يتلون آيات الله، وأمة على خلاف ذلك، معاني الفراء 1/230 وعده النحاة تعسفاً شديداً لأنه حذف من الكلام ورفع بما ليس جارياً على الفعل، وأما خبر ليس لم يعد منه شيء على اسمها. انظر: القطع 232 وإعراب النحاس 1/358 والبحر 3/33 والإملاء 1/85.
[10633]:- اعتمد مكي رأي النحاس في هذه المسألة ولم يزد على ما ذكره شيئاً، إعراب النحاس 1/358.
[10634]:- ساقط من (أ).
[10635]:- ساقط من (ب) و(د).
[10636]:- يقوم رأي أبي عبيدة على أن قوله تعالى: "ليسوا سواء" كلام غير تام، ولا يجوز الوقوف عليه بل هو متعلق بما بعده والتقدير: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة وأمة مذمومة ولابد من إضمار، انظر: مجاز القرآن 1/101 وقد أنكر النحاة هذا القول لاتفاقهم على أن ذلك لغة ركيكة، انظر: إعراب النحاس 1/359 ومشكل الإعراب 1/170 والمحرر 319.
[10637]:- (د): وأهل الكفر.
[10638]:- ساقط من (ج).
[10639]:- (أ) والكوفيين.
[10640]:- قوله والضمير في ليسوا... إلى عليها، هو صياغة أخرى لما كتبه مكي في صدر هذه الصفحة فأغنى عنه ما ذكر أولاً.
[10641]:- ساقط من (ج).
[10642]:- (أ) و(ج): فقد.
[10643]:- (ج): أجازه.
[10644]:- انظر: جامع البيان 4/52.
[10645]:- زيادة يقتضيها السياق.
[10646]:- انظر: جامع البيان 4/53 – والدر المنثور 2/296-297.
[10647]:- انظر: جامع البيان 4/52 وأسباب النزول 62.
[10648]:- انظر: جامع البيان 2/297 و4/55.
[10649]:- انظر: المصدر السابق.
[10650]:- تفسير مجاهد 1/133.
[10651]:- انظر: جامع البيان 4/53 والدر المنثور 2/297.
[10652]:- انظر: المصدر السابق.
[10653]:- انظر: المصدر السابق.
[10654]:- ساقط من (د).
[10655]:- انظر: معاني الأخفش 1/418.
[10656]:- آناء الليل: ساعاته، واحدها إِنْى بسكون النون أو كسرها، من قال أنْيي بسكون النون فهو مثل نحي وانحاء، ومن قال: أنِي بكسر النون فهو معي وأمعاء، انظر: اللسان 14/49.
[10657]:- انظر: معاني الأخفش 1/418، وفي انظر: معاني الزجاج 1/459 وحكى الأخفش: إنو.
[10658]:- انظر: جامع البيان 4/55.
[10659]:- (د): ساعة.
[10660]:- انظر: المصدر السابق.
[10661]:- لا مكان لهذه الجملة. المدقق.
[10662]:- انظر: جامع البيان 4/55 والدر المنثور 2/297.
[10663]:- (ج): صلى الله عليه وسلم.
[10664]:- أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة باب فضل صلاة العشاء 1/141 ومسلم في كتاب المساجد باب وقت العشاء 2/115 والطبراني في الكبير 1/265.
[10665]:- انظر: جامع البيان 4/55 والدر المنثور 2/198.
[10666]:- انظر: المفردات 71 واللسان (تلي) 14/102.
[10667]:- ساقط من (ج).
[10668]:- هو رأي للفراء في معانيه 1/231 واعترض الطبري بأن المراد بالسجود: السجود المعروف في الصلاة. انظر: جامع البيان 4/56 ورد ابن عطية اعتراض الطبري المحرر 3/202.
[10669]:- انظر: هذا التوجيه انظر: في جامع البيان 4/56.