غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞لَيۡسُواْ سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ} (113)

112

{ ليسوا سواء } كلام تام وما بعده كلام مستأنف للبيان . قال الفراء وابن الأنباري : تقديره من أهل الكتاب أمة قائمة ومنهم أمة مذمومة ، إلا أنه أضمر ذكر هذا القسم على مذهب العرب من الاكتفاء بأحد الضدين لخطورهما بالبال معاً غالباً . قال أبو ذؤيب :

دعاني إليها القلب إني لآمرها *** مطيع فما أدري أرشد طلابها ؟

أراد أم غيّ فاكتفى بذكر الرشد عن ضده . وتقول : زيد وعبد الله لا يستويان ، زيد عاقل دين ذكي . فيغني هذا عن أن يقال : وعبد الله ليس كذلك . وقيل : وهو اختيار أبي عبيدة أن { أمة } مرفوعة ب { ليس } على لغة من قال : أكلوني البراغيث . أو هو بدل من الضمير على نحو { أسروا النجوى الذين ظلموا }[ الأنبياء :3 ] والتقدير : ليسوا سواء أمة قائمة وأمة مذمومة . وفي تفسير أهل الكتاب قولان : الأول وعليه الجمهور أنهم اليهود والنصارى . قال ابن عباس ومقاتل : لما أسلم عبد الله بن سلام وأضرابه قالت أحبار اليهود : ما آمن بمحمد إلا شرارنا ، ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم وقالوا لهم : لقد خسرتم حين استبدلتم بدينكم دنياً غيره فنزلت . وعن عطاء أنها نزلت في أربعين من أهل نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى وصدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم الثاني أنهم كل من أوتي الكتاب من أهل الأديان فعلى هذه يكون المسلمون منهم . عن ابن مسعود قال : أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ، ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم . وفي رواية : فبشر صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب فأنزل الله هذه الآيات { ليسوا سواء } إلى قوله : { والله عليم بالمتقين } قال القفال رحمه الله : لا يبعد أن يقال : أولئك الحاضرون كانوا نفراً من مؤمني أهل الكتاب .

فقيل : ليس يستوي من أهل الكتاب هؤلاء الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فأقاموا صلاة العشاء في الساعة التي ينام فيها غيرهم مع أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا . ولا يبعد أيضاً أن يقال : المراد كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فسماهم الله أهل الكتاب كأنه قيل : أولئك الذين سموا أنفسهم بأهل الكتاب حالهم وصفتهم تلك الخصال الذميمة ، والمسلمون الذين سماهم الله تعالى أهل الكتاب حالهم وصفتهم كذا فكيف يستويان ؟ فيكون الغرض من هذه الآية تقرير فضيلة أهل الإسلام تأكيداً ما تقدم من قوله :{ كنتم خير أمة }

[ آل عمران :110 ] كقوله :{ أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون }[ السجدة :18 ] ثم إنه تعالى مدح الأمة المذكورة بصفات ثمان : الأولى : أنها قائمة . قيل : أي في الصلاة . وقيل : ثابتة على التمسك بدين الحق ملازمة له غير مضطربة . وقيل : أي مستقيمة عادلة من قولك : " أقمت العود فقام " بمعنى استقام . وههنا نكتة وهي أن الآية دلت على أن المسلم قائم بحق العبودية . وقوله :{ قائما بالقسط }[ آل عمران :18 ] دل على أن المولى قام بحق الربوبية وهذه حقيقة قوله :{ وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم }[ البقرة :40 ] الصفة الثانية : { يتلون } أي أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل . فالتلاوة القراءة . وأصل الكلمة الإتباع . فكأن التلاوة هي إتباع اللفظ ، وآيات الله القرآن . وقد يراد بها أصناف مخلوقاته الدالة على صانعها . وآناء الليل ساعاته واحدها أنى مثل " معاً " و " أني " و " أنوا " مثل " نحى " و " تلو " . الصفة الثالثة : { وهم يسجدون } يحتمل أن يكون حالاً من { يتلون } كأنهم يقرأون في القرآن السجدة تخشعاً إلا أن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا إني نهيت أن أقرأ راكعاً وساجداً " يأباه وأن يكون كلاماً مستقلاً أي يقومون تارة ويسجدون أخرى ويبتغون الفضل والرحمة بكل ما يمكن كقوله :{ يبيتون لربهم سجداً وقياماً }[ الفرقان :64 ] قال الحسن : يريح رأسه بقدميه وقدميه برأسه وذلك لإحداث النشاط والراحة ، وأن يكون المراد : وهم يصلون ويتهجدون . والصلاة تسمى سجدة وركعة وسبحة ، وأن يراد وهم يخضعون لله كقوله :{ ولله يسجد من في السماوات والأرض }[ الرعد :15 ] وعلى هذين الاحتمالين لا منع من كونه حالاً .

/خ120