{ ليسوا سواء } كلام تام وما بعده كلام مستأنف للبيان . قال الفراء وابن الأنباري : تقديره من أهل الكتاب أمة قائمة ومنهم أمة مذمومة ، إلا أنه أضمر ذكر هذا القسم على مذهب العرب من الاكتفاء بأحد الضدين لخطورهما بالبال معاً غالباً . قال أبو ذؤيب :
دعاني إليها القلب إني لآمرها *** مطيع فما أدري أرشد طلابها ؟
أراد أم غيّ فاكتفى بذكر الرشد عن ضده . وتقول : زيد وعبد الله لا يستويان ، زيد عاقل دين ذكي . فيغني هذا عن أن يقال : وعبد الله ليس كذلك . وقيل : وهو اختيار أبي عبيدة أن { أمة } مرفوعة ب { ليس } على لغة من قال : أكلوني البراغيث . أو هو بدل من الضمير على نحو { أسروا النجوى الذين ظلموا }[ الأنبياء :3 ] والتقدير : ليسوا سواء أمة قائمة وأمة مذمومة . وفي تفسير أهل الكتاب قولان : الأول وعليه الجمهور أنهم اليهود والنصارى . قال ابن عباس ومقاتل : لما أسلم عبد الله بن سلام وأضرابه قالت أحبار اليهود : ما آمن بمحمد إلا شرارنا ، ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم وقالوا لهم : لقد خسرتم حين استبدلتم بدينكم دنياً غيره فنزلت . وعن عطاء أنها نزلت في أربعين من أهل نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى وصدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم الثاني أنهم كل من أوتي الكتاب من أهل الأديان فعلى هذه يكون المسلمون منهم . عن ابن مسعود قال : أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ، ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم . وفي رواية : فبشر صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب فأنزل الله هذه الآيات { ليسوا سواء } إلى قوله : { والله عليم بالمتقين } قال القفال رحمه الله : لا يبعد أن يقال : أولئك الحاضرون كانوا نفراً من مؤمني أهل الكتاب .
فقيل : ليس يستوي من أهل الكتاب هؤلاء الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فأقاموا صلاة العشاء في الساعة التي ينام فيها غيرهم مع أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا . ولا يبعد أيضاً أن يقال : المراد كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فسماهم الله أهل الكتاب كأنه قيل : أولئك الذين سموا أنفسهم بأهل الكتاب حالهم وصفتهم تلك الخصال الذميمة ، والمسلمون الذين سماهم الله تعالى أهل الكتاب حالهم وصفتهم كذا فكيف يستويان ؟ فيكون الغرض من هذه الآية تقرير فضيلة أهل الإسلام تأكيداً ما تقدم من قوله :{ كنتم خير أمة }
[ آل عمران :110 ] كقوله :{ أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون }[ السجدة :18 ] ثم إنه تعالى مدح الأمة المذكورة بصفات ثمان : الأولى : أنها قائمة . قيل : أي في الصلاة . وقيل : ثابتة على التمسك بدين الحق ملازمة له غير مضطربة . وقيل : أي مستقيمة عادلة من قولك : " أقمت العود فقام " بمعنى استقام . وههنا نكتة وهي أن الآية دلت على أن المسلم قائم بحق العبودية . وقوله :{ قائما بالقسط }[ آل عمران :18 ] دل على أن المولى قام بحق الربوبية وهذه حقيقة قوله :{ وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم }[ البقرة :40 ] الصفة الثانية : { يتلون } أي أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل . فالتلاوة القراءة . وأصل الكلمة الإتباع . فكأن التلاوة هي إتباع اللفظ ، وآيات الله القرآن . وقد يراد بها أصناف مخلوقاته الدالة على صانعها . وآناء الليل ساعاته واحدها أنى مثل " معاً " و " أني " و " أنوا " مثل " نحى " و " تلو " . الصفة الثالثة : { وهم يسجدون } يحتمل أن يكون حالاً من { يتلون } كأنهم يقرأون في القرآن السجدة تخشعاً إلا أن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا إني نهيت أن أقرأ راكعاً وساجداً " يأباه وأن يكون كلاماً مستقلاً أي يقومون تارة ويسجدون أخرى ويبتغون الفضل والرحمة بكل ما يمكن كقوله :{ يبيتون لربهم سجداً وقياماً }[ الفرقان :64 ] قال الحسن : يريح رأسه بقدميه وقدميه برأسه وذلك لإحداث النشاط والراحة ، وأن يكون المراد : وهم يصلون ويتهجدون . والصلاة تسمى سجدة وركعة وسبحة ، وأن يراد وهم يخضعون لله كقوله :{ ولله يسجد من في السماوات والأرض }[ الرعد :15 ] وعلى هذين الاحتمالين لا منع من كونه حالاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.