فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞لَيۡسُواْ سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ} (113)

( ليسوا سواء ) أي هم غير مستوين بل مختلفون ، والجملة مستأنفة سيقت لبيان التفاوت بين اهل الكتاب ، وقوله ( من أهل الكتاب أمة قائمة ) هو استئناف أيضا يتضمن بيان الجهة التي تفاوتوا فيها من كون بعضهم أمة قائمة إلى قوله ( من الصالحين ) .

قال الأخفش : التقدير من اهل الكتاب ذو أمة أي ذو طريقة حسنة ، وبه قال الزجاج ، وقيل في الكلام حذف والتقدير من اهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة فترك الأخرى اكتفاء بالأولى ، وقال الفراء التقدير ليس تستوي امة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة ، وقال النحاس : هذا القول خطأ انتهى .

وعندي ان ما قاله الفراء قوي قويم ، وحاصله أن معنى الآية لا تستوي أمة من أهل الكتاب شأنها كذا وأمة أخرى شأنها كذا ، والقائمة المستقيمة العادلة من قولهم أقمت العود فقام أي استقام ، عن ابن عباس يقول : مهتدية قائمة من امر الله لم تنزع عنه ولم تتركه كما تركه الآخرون وضيعوه ، وقيل قائمة على كتاب الله وحدوده ، وقيل قائمة في الصلاة .

( يتلون آيات الله ) أي يقرؤن كتابه ( آناء الليل ) أي ساعاته ، وقال ابن عباس جوف الليل ، واحدها أنى بفتح الهمزة والنون بزنة عصا أو إني بكسر الهمزة وفتح النون بوزن معي او أنى بالفتح والسكون بوزن ظبي ، أو انى بوزن حمل أو انو بزن جرو ، وكل واحد من هذه المفردات الخمس يطلق على الساعة من الزمان كما يؤخذ من القاموس .

( وهم يسجدون ) ظاهره أن التلاوة كائنة منهم في حال السجود ، ولا يصح ذلك إذا كان المراد بهذه الأمة الموصوفة في الآية هم من قد أسلم من أهل الكتاب ، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن قراءة القرآن في السجود ، فلا بد من تأويل هذا الظاهر بأن المراد بقوله وهم يسجدون وهم يصلون كما قاله الفراء والزجاج ، وإنما عبر بالسجود عن مجموع الصلاة لما فيه من الخضوع والتذلل{[368]} .

وظاهر هذا انهم يتلون آيات الله في صلاتهم من غير تخصيص لتلك الصلاة بصلاة معينة ، وقيل المراد بها الصلاة بين العشاءين ، وقيل صلاة الليل مطلقا .


[368]:زاد المسير 1/442.