وقوله تعالى : { لَيْسُواْ سَوَاءً . . . } [ آل عمران :113 ] .
قال ابنُ عَبَّاس ( رضي اللَّه عنهما ) : لمَّا أسلم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ ، وثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ ، وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، ومَنْ أَسْلَمَ من اليهود معهم ، قال الكُفَّار من أحْبَارِ اليهودِ : مَا آمن بمحمَّد إلاَّ شِرَارُنَا ، وَلَوْ كَانُوا خِيَاراً ، ما تَرَكُوا دِينَ آبائِهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ : { لَيْسُواْ سَوَاء . . . } الآية ، وقالَ مثلَهُ قتادةُ ، وابنُ جُرَيْجٍ ، وهو أصح التأويلات في الآية .
واختلفَ في قوله : { قَائِمَةً } ، فقال ابنُ عَبَّاس ، وغيره : معناه : قائمةٌ على كتابِ اللَّهِ ، وحُدُودِهِ مهتديةٌ ، وقال السُّدِّيُّ : القائمةُ : القانِتَةُ المُطيعةُ . وهذا كلُّه يرجع إلى معنى وَاحِدٍ ، ويحتمل أنْ يراد ب { قَائِمَةً } : وَصْفُ حال التالين في آناء الليلِ ، ومَنْ كانت حاله هذه ، فلا محالة ، أنه معتدلٌ عَلَى أمْر اللَّه ، و{ آيَاتِ الله } ، في هذه الآيةِ : هي كُتُبُهُ ، والآناءُ : السَّاعاتُ ، واحِدها إنْيٌ ، بكسر الهمزة ، وسكونِ النون ، وحكم هذه الآية لا يتَّفقُ في شَخْص ، شَخْصٍ بأنْ يكون كلُّ واحدٍ يصلِّي جميعَ ساعاتِ الليلِ ، وإنما يقوم هذا الحُكْمُ من جماعةِ الأمَّة ، إذ بعضُ الناسِ يَقُومُ أول الليلِ ، وبعضهم آخِرَهُ ، وبعضُهُم بَعْدَ هَجْعَةٍ ، ثم يعودُ إلى نَوْمِهِ ، فيأتي مِنْ مجموعِ ذلك في المُدُنِ والجَمَاعَاتِ عِمَارةُ آناء الليلِ بالقيامِ ، وهكذا كان صَدْرُ هذه الأمَّة ، وعُرْفُ النَّاسِ القيامُ في أول الثُّلُثِ الآخرِ مِنَ الليلِ ، أو قبله بشَيْء ، وحينئذٍ : كان يقوم الأكثر ، والقيام طولَ الليلِ قليلٌ ، وقد كان في الصالِحِينَ مَنْ يلتزمه ، وقد ذكر اللَّه سبحانه القَصْدَ من ذَلِكَ في «سُورة المُزَّمِّلِ » ، وقِيامُ الليلِ لقراءةِ العِلْمِ المبتغى به وجْهُ اللَّهِ داخلٌ في هذه الآيةِ ، وهو أفضلُ من التنفُّل ، لِمَنْ يُرْجَى انتفاعُ المسلمِينَ بعلْمه . قُلْتُ : وقد تقدَّم في أوَّل السُّورة : ما جاء من التأويل في حديثِ النُّزُولِ ، فلنذكُرِ الآن الحديثَ بكَمَالِهِ ، لما فيه من الفوائِدِ :
روى أبو هريرةَ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أنَّهُ قَالَ : ( يَنْزِلُ رَبَّنَا تَبَارَكَ وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يبقى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ ، فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي ، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي ؟ فَأَغْفِرَ لَهُ ) رواه الجماعةُ ، أعني : الكتبَ الستَّة ، البخاريَّ ، ومُسْلِماً ، وأبا داوُدَ ، والتِّرمذيَّ ، والنَّسائيَّ ، وابْنَ مَاجَة ، وفي بعضِ الطُّرُق : ( حتى يَطْلُعَ الفَجْرُ ) ، زاد ابْنُ ماجَة : «فَلِذَلِكَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الصَّلاَةَ آخِرَ اللَّيْلِ ، على أَوَّلِهِ » .
وعن عمرو بْنِ عَنبَسَة أَنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ ، فإنِ استطعت أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ، فَكُنْ ) رواه أبو داوُد ، والتِّرمذيُّ ، والنَّسَائِيُّ ، والحَاكِمُ في «المستدرك » ، واللفظ للتِّرمذيِّ ، وقال : حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وقال الحاكمُ : صحيحٌ على شرطِ مُسْلِمٍ .
" وعن أبي أُمَامَةَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ ؟ قَالَ : ( جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرَ ، ودُبُرَ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ ) " . رواه الترمذيُّ ، والنسائيُّ ، وقال الترمذيُّ : هذا حديثٌ حسنٌ ، وفي روايةٍ : ( جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرَ أرجى ) ، أو نحو هذا ، اه من «السلاح » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.