معاني القرآن للفراء - الفراء  
{دُحُورٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ وَاصِبٌ} (9)

وقوله : { لاَّ يَسَّمَّعُونَ8 }

قرأها أصْحاب عبد الله بالتَّشديد على مَعنى يتَسمعّونَ . وقرأها الناسُ { يَسْمَعُونَ } وكذلك قرأها ابن عباس ؛ وقال : هم { يَتسَمَّعُون ولا يَسْمَعُون } .

وَمَعْنى ( لا ) كقوله { كَذَلكَ سَلَكْناهُ في قُلُوبِ المُجْرِمِينَ لاَ يُؤمِنُون بِهِ } لو كان في موضع ( لا ) ( أَنْ ) صلح ذلكَ ، كما قال { يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } وكَما قَالَ{ وَأَلْقىَ في الأَرْضِ رَوَاسِيَ أن تمِيدَ بكم } ويصلح في ( لا ) على هذا المعْنَى الجزم . العرب تقول : ربطت الفرسَ لا ينفلتْ ، وأوثقتُ عبدي لا يفرِرْ . وأنشدني بعض بني عُقَيلٍ :

وَحتّى رَأينا أحسَنَ الوُدِّ بينَنا *** مساكتةً لا يَقْرِفِ الشرَّ قَارفُ

وبعضهم يقول : لا يَقرْفُ الشّر والرفع لغة أهل الحجاز . وبذلكَ جَاء القرآن .

وقوله : { مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً } بضمّ الدال . ونَصَبها أبو عبد الرحمن السُلَمِىّ . فمنَ ضمَّها جَعَلها مصدراً ؛ كقولك : دَحرته دُحُوراً . ومن فتحها جَعَلها اسما ؛ كأنه قالَ : يقذفون بداحرٍ وبما يَدْحرُ . وَلستُ أشتهيها ؛ لأنها لو وُجِّهت على ذلكَ على صحَّةٍ لكانت فيها البَاء : كما تقول : يُقذفون بالحجارة ، ولا تقول يُقذفونَ الحجارةَ . وهوَ جائزِ ؛ قال الشاعر :

نُغَالي اللحم للأضيافِ نِيئاً *** وتُرخصه إذا نضِجَ القدورُ

والكلام : نغالي باللحم .

وقوله : { عَذابٌ وَاصِبٌ } { وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً } دائم خالصٌ .