فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{دُحُورٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ وَاصِبٌ} (9)

{ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلّ جَانِبٍ * دُحُوراً } أي يرمون من كلّ جانب من جوانب السماء بالشهب إذا أرادوا الصعود لاستراق السمع ، وانتصاب { دحوراً } على أنه مفعول لأجله . والدحور : الطرد ، تقول : دحرته دحراً ، ودحوراً : طردته . قرأ الجمهور { دحوراً } بضم الدال ، وقرأ عليّ ، والسلمي ، ويعقوب الحضرمي ، وابن أبي عبلة بفتحها . وروي عن أبي عمرو : أنه قرأ { يقذفون } مبنياً للفاعل ، وهي قراءة غير مطابقة لما هو المراد من النظم القرآني ، وقيل : إن انتصاب { دحوراً } على الحال ، أي مدحورين ، وقيل : هو جمع داحر نحو قاعد وقعود ، فيكون حالاً أيضاً . وقيل : إنه مصدر لمقدّر ، أي يدحرون دحوراً . وقال الفراء : إن المعنى يقذفون بما يدحرهم ، أي بدحور ، ثم حذفت الباء ، فانتصب بنزع الخافض .

واختلف هل كان هذا الرمي لهم بالشهب قبل المبعث أو بعده ؟ فقال بالأوّل طائفة . وبالآخر آخرون . وقالت طائفة بالجمع بين القولين : إن الشياطين لم تكن ترمى قبل المبعث رمياً يقطعها عن السمع ، ولكن كانت ترمى وقتاً ، ولا ترمي وقتاً آخر ، وترمي من جانب ، ولا ترمي من جانب آخر ، ثم بعد المبعث رميت في كلّ وقت ، ومن كلّ جانب حتى صارت لا تقدر على استراق شيء من السمع إلا من اختطف الخطفة ، فأتبعه شهاب ثاقب ، ومعنى { وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } ولهم عذاب دائم لا ينقطع ، والمراد به : العذاب في الآخرة غير العذاب الذي لهم في الدنيا من الرمي بالشهب . وقال مقاتل : يعني دائماً إلى النفخة الأولى ، والأوّل أولى . وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن الواصب : الدائم . وقال السدّي ، وأبو صالح ، والكلبي : هو الموجع الذي يصل وجعه إلى القلب ، مأخوذ من الوصب ، وهو : المرض ، وقيل : هو الشديد .

/خ19