معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَحَسِبُوٓاْ أَلَّا تَكُونَ فِتۡنَةٞ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٞ مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (71)

وقوله : { فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ . . . }

فقد يكون رفع الكثير من جهتين ؛ إحداهما أن تكرّ الفعل عليها ؛ تريد : عمِى وصَمَّ كثير منهم ، وإن شئت جعلت { عَمُوا وصَمُّوا } فعلا للكثير ؛ كما قال الشاعر :

يلومونني في اشترائي النخي *** لَ أَهلِي فكلُّهم أَلْوَمُ

وهذا لمن قال : قاموا قومك . وإن شئت جعلت الكثير مصدرا فقلت أي ذلك كثير منهم ، وهذا وجه ثالث . ولو نصبت على هذا المعنى كان صوابا . ومثله قول الشاعر .

وسوَّد ماء المَرْدِ فاها فلونه *** كَلَون النَؤُور وهي أدماء سارُها

ومثله قول الله تبارك وتعالى : { وأَسَرّوا النَّجْوَى الذِين ظلموا } إن شئت جعلت ( وأسَرّوا ) فعلا لقوله { لاهِيةً قلوبُهم وأسَرّوا النجوى } ثم تستأنف ( الذين ) بالرفع . وإن شئت جعلتها خفضا ( إن شئت ) على نعت الناس في قوله " اقترب لِلناسِ حِسابهم " وإن شئت كانت رفعا كما يجوز ( ذهبوا قومك ) .