الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُم مِّن رِّزۡقٖ فَجَعَلۡتُم مِّنۡهُ حَرَامٗا وَحَلَٰلٗا قُلۡ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمۡۖ أَمۡ عَلَى ٱللَّهِ تَفۡتَرُونَ} (59)

قوله تعالى : { أَرَأَيْتُمْ } : هذه بمعنى أخبروني . وقوله " ما أنزل " يجوزُ أن تكونَ " ما " موصولةً بمعنى الذي ، والعائدُ محذوفُ أي : ما أنزله ، وهي في محل نصبٍ مفعولاً أول ، والثاني هو الجملةُ من قوله : { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } والعائدُ من هذه الجملةِ على المفعولِ الأول محذوفٌ تقديرُه : اللَّهُ أَذِن لكم فيه . واعتُرِضَ على هذه بأنَّ قولَه " قُلْ " يمنع من وقوع الجملةِ بعده مفعولاً ثانياً . وأُجيب عنه بأنه كُرِّر توكيداً . ويجوز أن تكونَ " ما " استفهامية منصوبةً المحلِّ ب " أَنْزَلَ " وهي حينئذ مُعَلِّقَةٌ ل " أَرَأَيْتم " ، وإلى هذا ذهب الحوفي والزمخشري . ويجوز أن تكونَ " ما " الاستفهاميةُ في محلِّ رفعٍ بالابتداء ، والجملةُ من قوله : { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } خبره ، والعائدُ محذوفٌ كما تقدَّم أي : أَذِن لكم فيه ، وهذه الجملةُ الاستفهاميةُ معلِّقَةٌ ل " أَرَأَيتم " ، والظاهرُ من هذه الوجهِ هو الوجهُ الأولُ ، لأنَّ فيه إبقاءَ " أرأيت " على بابها مِنْ تَعَدِّيها إلى اثنين ، وأنها مؤثرةٌ في أولِهما بخلافِ جَعْلِ " ما " استفهاميةً فإنها معلقةٌ ل " أرأيت " وسادَّةٌ مَسَدَّ المفعولين .

وقوله : { مِّن رِّزْقٍ } يجوزُ أن يكونَ حالاً من الموصول ، وأن تكونَ " مِنْ " لبيان الجنس و " أنزل " على بابها وهو على حَذْف مضاف أي : أنزله من سببِ رزقٍ وهو المطر . وقيل : تُجُوِّز بالإِنزال عن الخلقِ كقولِه

{ وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ } [ الحديد : 25 ] { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأَنْعَامِ } [ الزمر : 6 ] .

قوله : { أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } في " أم " هذه وجهان أحدهما : أنها متصلةٌ عاطفةٌ/ تقديرُه : أخبروني : آللَّهُ أَذِنَ لكم في التحليلِ والتحريم ، فإنهم يفعلون ذلك بإذنه أم يَكْذِبون على الله في نسبة ذلك إليه . والثاني : أن تكونَ منقطعةً . قال الزمخشري : " ويجوز أن تكونَ الهمزةُ للإِنكار و " أم " منقطعةٌ بمعنى : بل أَتَفْترون على الله ، تقريراً للافتراء " . والظاهر هو الأول إذ المعادلةُ بين هاتين الجملتين اللتين بمعنى المفردين واضحةٌ ، إذ التقدير : أيُّ الأمرينِ وَقَعَ : إذْنُ اللَّهِ لكم في ذلك أم افتراؤكم عليه ؟