الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

قوله تعالى : { لاَفْتَدَتْ بِهِ } : " افتدى " يجوز أن يكون متعدياً وأن يكونَ قاصراً ، فإذا كان مطاوعاً ل " فَدَى " كان قاصراً تقول : فَدَيْتُه فافتدى ، ويكونُ بمعنى فَدَى فيتعدى لواحد . والفعلُ هنا يحتملُ الوجهين : فإنْ جعلناه متعدياً فمفعولُه محذوفٌ تقديرُه : لافتدَتْ به نفسَها ، وهو في المجاز كقولِه : { كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } [ النحل : 111 ] .

وقوله : { وَأَسَرُّواْ } / قيل : " أسرَّ " مِنَ الأضداد ، يُسْتعمل بمعنى أظهر ، كقوله الفرزدق :

2599 ولمَّا رأى الحجَّاجَ جرَّد سيفَه *** أسَرَّ الحَرُوريُّ الذي كانوا أضمرا

وقول الآخر :

2600 فأسرَرْتُ الندامةَ يوم نادى *** بِرَدِّ جِمالِ غاضِرةَ المُنادي

ويُسْتعمل بمعنى : " أخفى " وهو المشهورُ في اللغةِ كقوله : { يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [ النحل : 19 ] وهو في الآيةِ يحتمل الوجهين . وقيل : إنه ماض على بابه قد وقع . وقيل : بل هو بمعنى المستقبل . وقد أبعدَ بعضُهم فقال : " أسرُّوا الندامةَ " أي : بَدَتْ بالندامة أسِرَّةُ وجوهِهم أي : تكاسيرُ جباهِهم .

و { لَمَّا رَأَوُاْ } يجوز أن تكونَ حرفاً ، وجوابُها محذوف لدلالة ما تقدَّم عليه ، وهو المتقدمُ عند مَنْ يَرى تقديمَ جواب الشرط جائزاً . ويجوز أن تكونَ بمعنى حين والناصبُ لها " أسَرُّوا " . وقوله : " ظلَمْت " في محل جرِّ صفةٍ ل " نفس " أي : لكل نفس ظالمة . و { مَّا فِي الأَرْضِ } اسمُ أن ، و " لكلٍ " هو الخبر .

وقوله : { وَقُضِيَ } يجوزُ أن يكونَ مستأنفاً ، وهو الظاهر ، ويجوز أن يكونَ معطوفاً على " رأوا " فيكونَ داخلاً في حَيِّز " لَمَّا " والضميرُ في " بينهم " يعودُ على " كل نفس " في المعنى . وقال الزمخشري : " بين الظالمين والمظلومين ، دلَّ على ذلك ذِكْرُ الظلم " وقال بعضُهم : إنه يعود على الرؤساء والأتباع . و " بالقسط " يجوز أن تكونَ الباءُ للمصاحبةِ ، وأن تكونَ للآلة .