الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَةٗ وَأَمۡوَٰلٗا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَۖ رَبَّنَا ٱطۡمِسۡ عَلَىٰٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ وَٱشۡدُدۡ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ} (88)

قوله تعالى : { لِيُضِلُّواْ } : في هذه اللامِ ثلاثةُ أوجه ، أحدها : أنها لامُ العلة ، والمعنى : أنك أتيتَهم ما أتيتهم على سبيل الاستدراج فكان الإِيتاءُ لهذه العلة . والثاني : أنها لام الصيرورة والعاقبة كقوله : { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] . وقولِه :

2622 لِدُوا للموت وابنُوا للخراب *** . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقولِه :

2623 فللموتِ تَغْذو الوالداتُ سِخالَها *** كما لخرابِ الدُّوْرِ تُبْنَى المساكنُ

وقوله :

2624 وللمنايا تُرَبِّى كلُّ مُرْضِعَةٍ *** وللخرابِ يَجِدُّ الناسُ عِمْرانا

والثالث : أنها للدعاء عليهم بذلك ، كأنه قال : ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال وليكونوا ضُلاَّلاً ، وإليه ذهب الحسن البصري وبدأ به الزمخشري . وقد استُبْعِد هذا التأويلُ بقراءة الكوفيين " ليُضِلُّوا " بضم الياء فإنه يَبْعُد أن يَدْعُوَ عليهم بأن يُضِلُّوا غيرهم ، وقرأ الباقون بفتحها ، وقرأ الشعبي بكسرها ، فوالى بين ثلاث كسَرات إحداها في ياء . وقرأ [ أبو ] الفضل الرياشي " أإنك أَتَيْتَ " على الاستفهام . وقال الجبائي : إنَّ " لا " مقدرةٌ بين اللام والفعل تقديره : لئلا يَضِلوا " ، ورأيُ البصريين في مثل هذا تقديرُ " كراهةَ " أي : كراهة أن يَضِلُّوا .

قوله : { فَلاَ يُؤْمِنُواْ } يحتمل النصبَ والجزم ، فالنصب من وجهين ، أحدُهما : عطفُه على " ليضلُّوا " . والثاني : نصبه على جواب الدعاء في قوله " اطمِسْ " . والجزم على أنَّ " لا " للدعاء كقولك : " لا تعذِّبْني يا رب " وهو قريبٌ من معنى " ليُضلوا " في كونِه دعاءً ، هذا في جانب شبه النهي ، وذلك في جانب شبه الأمر ، و " حتى يَرَوا " غايةٌ لنفي إيمانهم ، والأول قول الأخفش ، والثاني بدأ به الزمخشري ، والثالث قول الكسائي والفراء ، وأنشد قولَ الشاعر :

2625 فلا يَنْبَسِطْ من بين عينِك ما انْزَوَى *** ولا تَلْقَني إلا وأنفُكَ راغِمُ

وعلى القول بأنه معطوفٌ على " ليَضِلُّوا " يكون ما بينهما اعتراضاً .