قوله تعالى : { مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } : العامَّةُ على إضافةِ " كُلّ " إلى " ما " وفي " مِنْ " قولان ، أحدُهما : أنها زائدةٌ في المفعولِ الثاني ، أي : كُلِّ ما سألمتموه ، وهذا إنما يتأتَّى على قولِ الأخفش . والثاني : أن تكونَ تبعيضيَّةً ، أي : آتاكم بعضَ جميعِ ما سالتموه نظراً لكم ولمصالحكم ، وعلى هذا فالمفعولُ محذوفٌ ، تقديرُه ، وآتاكم شيئاً مِنْ كُلِّ ما سألتموه ، وهو رأيُ سيبويه .
و " ما " يجوز فيها أن تكونَ موصولةً اسمية أو حرفية أو نكرةً موصوفةً ، والمصدرُ واقعٌ موقعَ المفعولِ ، أي : مَسْؤولكم . فإن كانت مصدريَّةً فالضميرُ في " سَأَلْتموه " عائدٌ على الله تعالى ، وإن كانتْ موصولةً أو موصوفةً كان عائداً عليها ، ولا يجوزُ أن يكون عائداً على اللهِ تعالى ، وعائدُ الموصولِ أو الموصوفِ محذوفٌ ؛ لأنه : إمَّا أن يُقَدَّر متصلاً : سألتموهوه أو منفصلاً : سألتموه إياه ، وكلاهما لا يجوز فيه الحَذْفُ لِما قدَّمْتُ لك أولَ البقرةِ في قوله { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } .
وقرأ ابنُ عباس ومحمد بن علي وجعفر بن محمد والحسن والضحّاك وعمرو بن فائد وقتادة وسلام ويعقوب ونافع في روايةٍ ، { مِّن كُلِّ } منونةً . وفي " ما " على هذه القراءة وجهان ، أحدُهما : أنها نافية ، وبه بدأ الزمخشري فقال : " وما سأَلْتُموه نفيٌ ، ومحلُّه النصبُ على الحال ، أي : آتاكم من جميعِ ذلك غيرَ سائِلية " . قلت : ويكون المفعولُ الثاني هو الجارِّ مِنْ قوله " مِنْ كُلٍ " ، كقوله : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [ النمل : 23 ] .
والثاني : أنها موصولةٌ بمعنى الذي ، هي المفعول الثاني لآتاكم . وهذا التخريجُ الثاني أَوْلَى ، لأنَّ في الأول منافاةً في الظاهر لقراءةِ العامَّة . قال الشيخ : " ولما أحسَّ الزمخشريُّ بظهورِ التنافي بين هذه القراءةِ وبين تلك قال : " ويجوز أن تكونَ " ما " موصولةً على : وآتاكم مِنْ كُلِّ ذلك ما احتجتم إليه ، ولم تصلُحْ أحوالُكُم ولا معائِشُكم إلا به ، فكأنكم طلبتموه أو سألتموه بلسانِ الحال ، فتأوَّل " سَأَلْتموه " بمعنى ما احتجتم إليه " .
قول : " نعمةَ " في معنى المُنْعِمِ به ، وخُتِمَتْ هذه ب { إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ } ، ونظيرتُها في النحل ب { إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النحل : 18 ] ، لأنَّ في هذه تقدَّمَ قولُه { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً } [ إبراهيم : 28 ] ، وبعده { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } [ إبراهيم : 30 ] ، فجاء قولُه { إِنَّ الإنْسَانَ } شاهداً بقُبْحِ مَنْ فَعَلَ ذلك ، فناسَبَ خَتْمَها بذلك ، والتي في النحل ذكر فيها عدةَ تفصيلاتٍ وبالَغَ فيها ، وذكر قولَه { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] ، أي : مَنْ أوجَدَ هذه النِّعَمَ السابقَ ذكرُها كَمَنْ لم يَقْدِرْ منها على شيءٍ ، فَذَكَرَ أيضاً أنَّ مِنْ جملة تَفَضُّلاتِه اتصافَه بهاتين الصفتين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.