الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلٗا} (2)

قوله تعالى : { وَآتَيْنَآ } : فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أن تُعْطَفَ هذه الجملةُ على الجملةِ السابقة من/ تنزيهِ الربِّ تبارك وتعالى ولا يَلْزَمُ في عَطْفِ الجملِ مشاركةٌ في خبرٍ ولا غيرِه . الثاني : قال العسكري : إنه معطوف على " أسرى " . واستبعده الشيخُ . ووجهُ الاستبعادِ : أن المعطوفَ على الصلةِ صلةٌ ، فيؤدِّي التقديرُ إلى ضرورةِ التركيبِ : سُبْحان الذي أسرى وآتينا ، وهو في قوة : الذي آتينا موسى ، فيعود الضميرُ على الموصولِ ضميرَ تكلمٍ مِنْ غيرِ مسوِّغ لذلك .

والثالث : أنه معطوفٌ على ما في قوله " أسرى " من تقدير الخبر كأنه قال : أَسْرَيْنا بعبدِنا ، وأًرَيْناه آياتِنا وآتَيْنا ، وهو قريبٌ مِنْ تفسيرِ المعنى لا الإِعراب .

قوله : " وجَعْلَناه " يجوز أن يعودَ ضميرُ النصبِ للكتاب ، وهو الظاهرُ ، وأَنْ يعودَ لموسى عليه السلام .

قوله : { لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } يجوز تعلُّقُه بنفس " هدى " كقوله : { يَهْدِي لِلْحَقِّ }

[ يونس : 35 ] ، وأَنْ يتعلَّقَ بالجَعْل ، أي : جعلناه لأجلِهِم ، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ نعتاً ل " هُدى " .

قوله : { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ } يجوز أَنْ تكون " أَنْ " ناصبةً على حَذْفِ حرفِ العلة ، أي : لئلا تتَّخذوا . وقيل : " لا " مزيدةٌ ، والتقدير : كراهةَ أَنْ تتخذوا ، وأنْ تكونَ المفسرةَ و " لا " ناهيةٌ ، فالفعلُ منصوبٌ على الأول مجزومٌ على الثاني ، وأَنْ تكونَ مزيدةً عند بعضِهم ، والجملةُ التي بعدها معمولةٌ لقولٍ مضمر ، أي : مقولاً لهم : لا تتخذوا ، أو قلنا لهم : لا تتخذوا ، وهذا ظاهرٌ في قراءةِ الخطاب . وهذا مردودٌ بأنه ليس من مواضعِ زيادةِ " أَنْ " .

وقرأ أبو عمروٍ { أَنْ لا يتَّخذوا } بياء الغَيْبة جَرْياً على قوله { لبني إسرائيل } والباقون بالخطاب التفاتاً .