الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا} (8)

قوله تعالى : { حَصِيراً } : يجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى فاعِل ، اي : حاصرةً لهم ، مُحيطةً بهم ، وعلى هذا فكان ينبغي أن يؤنَّثَ بالتاء كخبيرة . وأُجيب : بأنَّها على النسَب ، أي ذات حَصْرٍ كقولِه : { السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } [ المزمل : 18 ] ، أي ذاتُ انفطارٍ . وقيل : الحَصِيْرُ : الحَبْسُ ، قال لبيد :

ومَقامَةٍ غُلْبِ الرجالِ كأنَّهمْ *** جِنٌّ لدى بابِ الحصيرِ قيامُ

وقال أبو البقاء : " لم يؤنِّثْه لأنَّ فعيلاً بمعنى فاعِل " وهذا منه سهوٌ ؛ لأنه يؤدِّ إلى أن تكونَ الصفةُ التي على فعيل إذا كانَتْ بمعنى فاعِل جاز حَذْفُ التاءِ منها ، وليس كذلك لِما تقدَّم مِنْ أنَّ فعيلاً بمعنى فاعِل يَلْزَمُ تأنيثه ، وبمعنى مَفْعول يجب تذكيرُه ، وما جاء شاذَّاً مِنَ النوعين يُؤَوَّل . وقيل : إنما لم يُؤَنَّثْ لأنَّ تأنيث " جهنَّم " مجازيٌّ ، وقيل : لأنها في معنى السِّجْن والمَحْبَس ، وقيل : لأنها بمعنى فِرَاش .