الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا} (5)

قوله تعالى : { وَعْد } : أي : مَوْْعُود ، فهو مصدرٌ واقعٌ موقعَ مفعول ، وتركه الزمخشري على حالِه ، لكن بحذف مضاف ، أي : وَعْدُ عقابِ أُوْلاهما . وقيل : الوَعْدُ بمعنى الوعيد . وقيل : بمعنى المَوْعِد الذي يُراد به الوقتَ . فهذه أربعةُ أوجهٍ . والضميرُ عائدٌ على المرتين .

قوله : " عِباداً " العامَّةُ على " عِباد " بزنة فِعال ، وزيدُ بن علي والحسنُ " عبيداً " على فَعِيْل ، وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك .

قوله : " فجاسُوا " عطفٌ على " بَعَثْنا " ، أي : تَرَتَّب على بعثنا إياهم هذا . والجَوْسُ والجُوْس بفتحِ الجيمِ وضمِّها مصدرَ جاسَ يَجُوسُ ، أي : فَتَّشَ ونقَّبَ ، قاله أبو عبيد . وقال الفراء : " قَتَلُوا " قال حسان :

ومِنَّا الذي لاقى بسيفِ محمدٍ *** فجاسَ به الأعداءُ عَرْضَ العساكرِ

وقال أبو زيد : " الجُوسُ والجَوْسُ والحَوْسُ والهَوْسُ طَلَبُ الطَّوْف بالليل " . وقارب قطرب : " جاسُوا : نزلوا " . وأنشد :

فَجُسْنا ديارَهُمُ عَنْوَةً *** وأُبْنا بساداتِهم مُوْثَقِيْنا

وقيل : " جاسُوا بمعنى داسوا " ، وأنشد :

إليك جُسْنا الفِيلَ بالمَطِيِّ ***

وقيل : الجَوْسُ : التردُّد . وقيل : طَلَبُ الشيءِ باستقصاء . ويقال : " حاسُوا " بالحاءِ المهملة ، وبها قرأ طلحة وأبو السَِّمَّال ، وقرئ " فَجَوَّسُوا " بالجيم بزنة نُكِّسُوا .

قوله : " خلالَ " العامَّةُ على " خِلال " وهو محتملٌ لوجهين ، أحدهما : أنه جمعُ خَلَل كجِبال في جَبَل ، وجِمال في جَمَل . والثاني : أنه اسمٌٌ مفردٌ بمعنى وَسْط ، ويدلُّ له قراءةُ الحسن " خَلَلَ الدِّيار " . وقوله : " وكان وَعْداً " ، أي : وكان الجَوْسُ ، أو وكان وَعْدُ أُوْلاهما ، أو وكان وَعْدُ عقابِهم .