الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِي يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ وَٱهۡجُرۡنِي مَلِيّٗا} (46)

قوله تعالى : { أَرَاغِبٌ أَنتَ } : يجوز فيه وجهان ، أحدُهما : أَنْ يكون " راغبٌ " مبتدأً لاعتمادِه على همزةِ الاستفهام ، و " أنت " فاعلٌ سَدَّ مَسَدَّ الخبر . والثاني : أنه خبر مقدمٌ ، و " أنت " مبتدأ مؤخر ورُجِّح الأولُ بوجهين ، أحدهما : أنه ليس فيه تقديمٌ ولا تأخير ؛ إذ رتبهُ الفاعلِ التأخيرُ عن رافعِه . والثاني أنه لا يلزم فيه الفصلُ بين العاملِ ومعمولِه بما ليس معمولاً للعامل ؛ وذلك لأنَّ { عَنْ آلِهَتِي } متعلقٌ ب " راغِبٌ " ، فإذا جُعل " أنت " فاعلاً فقد فُصِل بما هو كالجزءِ من العامل ، بخلافِ جَعْلِه خبراً فإنه أجنبي إذ ليس معمولاً ل " راغبٌ " .

قوله : " مَلِيَّاً " في نصبه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه منصوبٌ على الظرفِ الزماني ، أي : زمناً طويلاً ، ومنه " المَلَوان " للَّيلِ والنهارِ ، وَمَُِلاوةُ الدَّهْر بتثليث الميم قال :

فَعُسْنا بها من الشَّبابِ مَلاوةً *** فالحجُّ آيات الرسولِ المحبِّبِ

وأنشد السدِّي على ذلك لمهلهل :

فتصَدَّعَتْ صُمُّ الجِبالِ لمَوْتِه *** وبَكَتْ عليه المُرْمِلاتُ مَلِيَّا

والثاني : أنه منصوبٌ على الحال معناه : سالماً سَويَّاً . كذا فسَّره ابن عباس : فهو حالٌ مِنْ فاعلِ " اهْجُرْني " ، وكذلك فَسَّره ابنُ عطيةَ قال : " معناه : مُسْتَبداً ، أي : غنيَّاً من قولهم هو مَلِيٌّ بكذا وكذا " . قال الزمخشري : " أي : مُطيقاً " والثالث : أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : هَجْراً مَلِيَّاً يعني : واسعاً متطاولاً كتطاول الزمان الممتد .