الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِي يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ وَٱهۡجُرۡنِي مَلِيّٗا} (46)

لما أطلعه على سماجة صورة أمره ، وهدم مذهبه بالحجج القاطعة ، وناصحه المناصحة العجيبة مع تلك الملاطفات ، أقبل عليه الشيخ بفظاظة الكفر وغلظة العناد ، فناداه باسمه ، ولم يقابل { يا أبت } ب ( يا بنيّ ) ، وقدّم الخبر على المبتدأ في قوله : { أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ الِهَتِى يا إبراهيم } لأنه كان أهمّ عنده وهو عنده أعني ، وفيه ضرب من التعجب والإنكار لرغبته عن آلهته ، وأن آلهته ، ما ينبغي أن يرغب عنها أحد . وفي هذا سلوان وثلج لصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يلقى من مثل ذلك من كفار قومه { لأَرْجُمَنَّكَ } لأرمينك بلساني ، يريد الشتم والذمّ ، ومنه ( الرجيم ) المرميّ باللعن . أو لأقتلنك ، من رجم الزاني . أو لأطردنك رمياً بالحجارة . وأصل الرجم : الرمي بالرجام { مَلِيّاً } زمانا طويلاً من الملاوة : أو ملياً بالذهاب عني والهجران قبل أن أثخنك بالضرب ، حتى لا تقدر أن تبرح . يقال : فلان مليّ بكذا ، إذا كان مطيقاً له مضطلعاً به .

فإن قلت : علام عطف { واهجرني } ؟ قلت : على معطوف عليه محذوف يدل عليه { لأَرْجُمَنَّكَ } أي فاحذرني واهجرني ، لأن { لأَرْجُمَنَّكَ } تهديد وتقريع .