الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّآ ءَاتِي ٱلرَّحۡمَٰنِ عَبۡدٗا} (93)

قوله : { مَن فِي السَّمَاوَاتِ } : يجوز في " مَنْ " أن تكونَ نكرةً موصوفة ، وصفتُها الجارُّ بعدها . ولم يذكر أبو البقاء غيرَ ذلك ، وكذلك الزمخشري . إلا أنَّ ظاهرَ عبارتِه يقتضي أنه لا يجوز / غيرُ ذلك ، فإنه قال : " مَنْ موصوفةٌ ؛ فإنها وقعَتْ بعد كل نكرةٍ وقوعَها بعد " رُبَّ " في قولِه :

رُبَّ مَنْ أنضجْتُ غيظاً صدرَه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انتهى . ويجوز أن تكونَ موصولةً . قال الشيخ : " أي : ما كلُّ الذي في السماوات ، و " كُلٌّ " تدخلُ على " الذي " لأنها تأتي للجنسِ كقولِه تعالى :

{ وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [ الزمر : 33 ] ونحوه :

وكلُّ الذي حَمَّلْتني أَتَحَمَّلُ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يعني أنَّه لا بدَّ مِنْ تأويلِ الموصول بالعموم حتى تَصِحَّ إضافةُ " كل " إليه ، ومتى أُريد به معهودٌ بعينِه شَخَص واستحال إضافةُ " كل " إليه .

و { آتِي الرَّحْمَنِ } خبرُ " كلُّ " جُعِل مفرداً حَمْلاً على لفظِها ولو جُمع لجاز وقد تقدَّم أولَ هذا الموضوعِ أنها متى أُضيفت لمعرفةٍ جاز الوجهان . وقد تكلَّم السهيليُّ في ذلك فقال : " كُلٌّ " إذا ابْتُدِئَتْ ، وكانتْ مضافةً لفظاً - يعني لمعرفةٍ - فلا يَحْسُنُ إلا إفرادُ الخبرِ حَمْلاً على المعنى . تقول : كلُّكم ذاهبٌ ، أي : كلُّ واحدٍ منكم ذاهبٌ ، هكذا هذه المسألةُ في القرآنِ والحديثِ والكلامِ الفصيح .

/خ93