اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّآ ءَاتِي ٱلرَّحۡمَٰنِ عَبۡدٗا} (93)

قوله : { إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض } . يجوز في " مَنْ " أن تكون نكرة موصوفة ، وصفتها{[22768]} الجار بعدها ، ولم يذكر أبو{[22769]} البقاء غير ذلك ، وكذا{[22770]} الزمخشري إلا أن{[22771]} ظاهر عبارته{[22772]} تقتضي أنه لا يجوز غير ذلك{[22773]} ، فإنه{[22774]} قال : " مَنْ " موصوفة فإنها وقعت بعد " كُل " " نكرة أشبهت وقوعها بعد " رُبَّ " في قوله :

ربَّ مَنْ أنْضِجَتْ غَيْظاً صَدْرَهُ{[22775]} . . .

انتهى{[22776]} " {[22777]} .

ويجوز أن تكون موصولة . قال أبو حيان : ما كُل الذي في السموات ، و " كلُّ " تدخل على الذي ، لأنها تأتي للجنس كقوله- تعالى- : { والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ }{[22778]} [ الزمر : 33 ] ونحوه :

" وكُلُّ{[22779]} الذي " حَمَّلْتَنِي أتحَمَّلُ{[22780]} {[22781]} . . .

يعني{[22782]} أنه لا بد " من تأويل " {[22783]} الموصول{[22784]} بالعموم حتى تصح إضافة " كُل " إليه ، ومتى أريد به معهود بعينه لشخص{[22785]} استحال{[22786]} إضافة " كُلّ " إليه{[22787]} .

و " آتِ الرَّحْمَنِ " {[22788]} خبر " كل " جعل مفرداً حملاً على لفظها{[22789]} ، ولو جمع لجاز{[22790]} ، وقد تقدم أول الكتاب : أنها متى أضيفت لمعرفة جاز الوجهان{[22791]} . وقد تكلم السهيلي{[22792]} في ذلك فقال : " كُلُّ " إذا ابتدئت وكانت مضافة لفظاً يعني{[22793]} لمعرفة{[22794]} فلا يحسن إلا أفراد الخبر حملاً على المعنى ، تقول : كُلكم ذاهب ، أي : كل واحد " منكم ذاهب ، هكذا هذه المسألة في القرآن والحديث والكلام الفصيح . فإن قلت في قوله : { وَكُلُّهُمْ{[22795]} آتِيهِ }{[22796]} : إنما هو حمل على اللفظ ، لأنه اسم مفرد . قلنا : بل هو اسم للجمع ، واسم الجمع لا يخبر عنه بإفراد ، تقول : القوم ذاهبُون ، ولا تقول{[22797]} : ذاهب ، وإن كان لفظ " القَوْم " لفظ المفرد ، وإنما حسن " كُلكُم ذاهِبٌ " لأنهم يقولون : كل واحد منكم ذاهب{[22798]} ، فكان الإفراد مراعاة لهذا المعنى{[22799]} .

قال أبو حيان : ويحتاج " كُلكُم{[22800]} ذاهِبُون " ونحوه إلى سماع ونقل عن العرب{[22801]} .

قال شهاب الدين : وتسمية الإفراد حملاً على المعنى غير الاصطلاح{[22802]} بل ذلك حمل على اللفظ والجمع هو الحمل على المعنى{[22803]} .

وقال أبو البقاء : ووحد " آتِي " حملاً على لفظ " كُل " ، وقد جمع في موضع آخر حملاً على معناها{[22804]} .

قال شهاب الدين : قوله : في موضع آخر . إن عنى في القرآن فلم{[22805]} يأت الجمع إلا و " كُل " مقطوعة عن الإضافة نحو { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }{[22806]} { وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ }{[22807]} ، وإن عنى في{[22808]} فيحتاج{[22809]} إلى سماع عن العرب كما تقدم{[22810]} .

والجمهور على إضافة " آتي " إلى " {[22811]} الرَّحمَن " {[22812]} .

وقرأ عبد الله بن الزبير وأبو حيوة وطلحة وجماعة بتنويه ونصب " الرَّحْمَن{[22813]} " وانتصب " عَبْداً " و " فَرْداً " على الحال{[22814]} .

فصل{[22815]}

المعنى : أن كل معبود{[22816]} من الملائكة في السموات وفي الأرض من الناس إلا يأتي{[22817]} الرحمن يلتجئ إلى ربوبيته عبداً منقاداً مطيعاً ذليلاً خاضعاً كما يفعل{[22818]} العبيد . ومنهم من حمله على{[22819]} يوم القيامة خاصة .

والأول أولى ، لأنه لا تخصيص فيه .


[22768]:في ب: ووصفها.
[22769]:في ب: أبي. وهو تحريف.
[22770]:انظر التبيان 2/883.
[22771]:في ب: وكذلك.
[22772]:في ب: الآن.
[22773]:في ب: عبارتها.
[22774]:في الأصل: فإنها. وهو تحريف.
[22775]:صدر بيت من بحر الرمل، قاله سويد بن أبي كاهل بن حارثة اليشكري، وعجزه: قد تمنّى لي موتا لم يطع والشاهد فيه أن (ربّ) نكرة موصوفة، وصفتها جملة (أنضجت) بدليل دخول (ربّ) عليها، وهي لا تدخل إلا على النكرات. وقد تقدم.
[22776]:الكشاف 2/425.
[22777]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22778]:من قوله تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} [الزمر: 33]. والاستشهاد بالآية على أن (الذي) يراد به الجنس بدليل وقوع خبره جمعا وهو "أولئك". انظر البيان 2/323.
[22779]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22780]:شطر بيت من الطويل، ويبدو أنه العجز ولم أجده في غير البحر المحيط 6/219.
[22781]:البحر المحيط 6/219.
[22782]:في ب: أي.
[22783]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22784]:في ب: للموصول.
[22785]:في الأصل: تشخص.
[22786]:في النسختين: واستحال.
[22787]:في ب: كل إضافة ذلك إليه.
[22788]:في ب: قوله: "الرحمن".
[22789]:انظر البيان 2/137، التبيان 2/883.
[22790]:حملا على المعنى، فتقول: كل القوم ضربته، بالإفراد حملا على اللفظ، وكل القوم ضربتهم، بالجمع حملا على المعنى. انظر البيان 2/137.
[22791]:أي أن (كل) إذا أضيفت إلى معرفة يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها، نحو كلكم ذاهب حملا على اللفظ، وكلكم ذاهبون حملا على المعنى. البحر المحيط 6/220، المغني 1/199-200.
[22792]:تقدم.
[22793]:في ب: المعنى.
[22794]:في ب: كمعرفة.
[22795]:"وكلهم": سقط من ب.
[22796]:من قوله تعالى: {وكلهم آتيه يوم القيامة فرادا} [مريم: 95].
[22797]:في ب: يقال.
[22798]:ذاهب: سقط من ب.
[22799]:نتائج الفكر (279-280) وانظر أيضا البحر المحيط 6/220.
[22800]:كلكم: سقط من ب.
[22801]:البحر المحيط 6/220.
[22802]:في ب: الإيضاح. وهو تحريف.
[22803]:الدر المصون: 5/18.
[22804]:التبيان 2/883.
[22805]:في ب: فلا.
[22806]:[الأنبياء: 33].
[22807]:[النمل: 87].
[22808]:في ب: على. وهو تحريف.
[22809]:في ب: فكل يحتاج.
[22810]:الدر المصون: 5/18.
[22811]:في ب: على. وهو تحريف.
[22812]:تفسير ابن عطية 9/542، البحر المحيط 6/220.
[22813]:المختصر (86)، البحر المحيط 6/220.
[22814]:مشكل إعراب القرآن 2/64، البيان 2/137، البحر المحيط 6/220.
[22815]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 21/255-256. بتصرف.
[22816]:في ب: أن كلا.
[22817]:في ب: آتي.
[22818]:في ب: يأتي.
[22819]:في ب: إلى. وهو تحريف.