الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قُلۡ إِنَّمَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (108)

قوله : { أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ } : " أنَّ " وما في حَيِّزِها في محلِّ رفعٍ لقيامِه مَقامَ الفاعلِ ؛ إذا التقديرُ : إنما يُوْحَى إليَّ وَحْدانيةُ إلهكم . وقال الزمخشري : " إنَّما " لقَصْرٍ الحكمِ على شيءٍ أو لقَصْرِ الشيءِ على حكمٍ كقولِك : " إنما زيدٌ قائم " و " إنما يقومُ زيدٌ " . وقد اجتمع المثالان في هذه الآيةِ ؛ لأنََّ { إِنَّمَآ يُوحَى إِلَيَّ } مع فاعلِه بمنزلةِ " إنما يقومُ زيد " ، و { أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } بمنزلةِ " إنَّما زيد قائم " . وفائدةُ اجتماعِهما الدلالةُ على أنَّ الوَحْيَ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مقصورٌ على استئثارِ اللهِ بالوَحْدانية " .

قال الشيخ : " أمَّا ما ذكره في " أنَّما " أنَّها لقَصْرِ ما ذَكَر ، فهو مبنيٌّ على أن " أنَّما " للحصر ، وقد قررنا أنها لا تكون للحصر وأنَّ " ما " مع " أنَّ " كهي مع كأنَّ ومع لعلَّ . فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه ولا الحصر في الترجي ، فكذلك لا تفيده مع " أنَّ " . وأما جَعْلُه " أنما " المفتوحةَ الهمزةِ مثلَ المكسورتِها تدلُّ على القَصْر فلا نعلم الخلاف إلاَّ في " إنما " بالكسر ، وأما " أنما " بالفتح فحرفٌ مصدريٌّ ، ينسَبِكُ منه مع ما بَعْدَه مصدرٌ ، فالجملةُ بعدها ليسَتْ جملةً مستقلةً . ولو كانَتْ " أنما " دالةً على الحصر لزم أَنْ يُقال : إنه لم يُوْحَ إليه شيءٌ إلاَّ التوحيدُ ، وذلك لا يَصِحُّ الحَصْرُ فيه ، إذ قد أُوْحي له أشياءُ غيرُ التوحيد " .

قلت : الحَصْرُ بحسب كلِّ مقامٍ على ما يناسِبُه ؛ فقد يكون هذا المقامُ يقتضي الحصرَ في إيحاءِ الواحدنية لشيءٍ جَرَى من إنكارِ الكفارِ وحدانيتَه تعالى ، وأنَّ اللهَ لم يُوْحِ إليه لها شيئاً . وهذا كما أجاب الناسُ عن هذا الإِشكالِ الذي ذكره الشيخُ في قوله تعالى : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ } [ الرعد : 7 ] { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ } [ الكهف : 110 ] { إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } [ محمد 36 ] إلى غير ذلك . و " ما " من قوله { إِنَّمَآ يُوحَى } يجوز فيها وجهان ، أحدهما : أن تكونَ كافةً وقد تقدَّم . والثاني : أن تكونَ موصولةً كهي في قوله : { إِنَّمَا صَنَعُواْ } [ طه : 69 ] ويكون الخبرُ هو الجملةَ مِنْ قوله : { أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } تقديرُه : إن الذي يوحى إليَّ هو هذا الحكمُ .

قوله : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } استفهامٌ معناه الأمرُ بمعنى أَسْلِموا ، كقوله :

{ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] أي : انتهوا .