الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ ءَاذَنتُكُمۡ عَلَىٰ سَوَآءٖۖ وَإِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٞ مَّا تُوعَدُونَ} (109)

قوله : { آذَنتُكُمْ } : أي : أَعْلَمْتُكم . فالهمزةُ فيه للنقلِ . قال الزمخشري : " آذن منقولٌ مِنْ أَذِنَ إذا عَلِمَ ، ولكنه كَثُرَ استعمالُه في الجَرْيِ مَجْرى الإِنذار . ومنه قولُه تعالى : { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ } [ البقرة : 279 ] وقول ابن حِلِّزَة :

/آذَنَتْنا بِبَيْنِها أسماءُ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قلت : وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في البقرة .

قوله : { عَلَى سَوَآءٍ } في محلِّ نصبٍ على الحال من الفاعل والمفعول معاً ، أي : مُسْتَوِين في العلم بما أَعْلَمْتُكم به لم يَطْوِه عن أحدٍ منهم .

قوله : { وَإِنْ أَدْرِي } العامَّةُ على إرسالِ الياء ساكنةً ، إذ لا مُوْجِبَ لغيرِ ذلك . ورُوي عن أبن عباس أنه قرأ : " وإنْ أَدْريَ أقريبٌ " ، " وَإِنْ أَدْرِيَ لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ " بفتح الياءَيْن . وخُرِّجَتْ على التشبيهِ بياءِ الإِضافة . على أن ابنَ مجاهدٍ أنكر هذه القراءةَ البتة . وقال ابن جني : " هو غَلَطٌ ، لأنَّ " إنْ " نافيةٌ لا عملَ لها " . ونَقَل أبو البقاء عن غيرِه أنه قال في تخريجها : " إنه ألقى حركةَ الهمزةِ على الياءِ فتحرَّكَتْ وبقيتْ الهمزةُ ساكنةً ، فأُبْدِلَتْ ألفاً لانفتاحِ ما قبلها ، ثم أُبْدِلَتْ همزةً متحركةً ؛ لأنها في حُكْمِ المبتدأ بها ، والابتداءُ بالساكنِ مُحالٌ . وهذا تخريجٌ متكلِّفٌ لا حاجةَ إليه . ونِسْبَةُ راويها عن ابن عباس إلى الغلطِ أَوْلَى من هذا التكلُّفِ ، فإنها قراءةٌ شاذةٌ مُنْكَرَة . وهذا التخريجُ وإنْ نَفَعَ في الأولى فلا يُجْدي في الثانيةِ شيئاً . وسيأتي لك قريبٌ من ادِّعاء قَلْبِ الهمزةِ ألفاً ثم قَلْبِ الألفِ همزةً في قوله : { مِنسَأَتَهُ }

[ سبأ : 14 ] إنْ شاء اللهُ تعالى ، وبذلك يَسْهُلُ الخَطْبُ في التخريج المذكور .

والجملةُ الاستفهاميةُ في محلِّ نصبٍ ب " أدْري " لأنها معلِّقَةٌ لها عن العملِ ، وأَخَّر المُسْتَفْهَمَ عنه لكونِه فاصلةً . ولو وَسَّطه لكان التركيبُ : أقريب ما تُوعدون أم بعيدٌ ، ولكنه اُخِّر مراعاةً لرؤوسِ الآي .

و { مَّا تُوعَدُونَ } يجوز أَنْ يكونَ مبتدأ ، وما قبله خبرٌ عنه ومعطوفٌ عليه . وجَوَّز أبو البقاء فيه أن يرتفعَ فاعلاً ب " قريبٌ " . قال : " لأنه اعتمد على الهمزة " . قال : " ويُخَرَّج على قولِ البصريينَ أن يرتفعَ ب " بعيد " لأنه أقربُ إليه " . قلت : يعني أنه يجوزُ أَنْ تكونَ المسألةُ من التنازع فإنَّ كلاً من الوصفَيْنِ يَصِحُّ تَسَلُّطُه على " ما تُوْعَدون " من حيث المعنى .