الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (91)

قوله : { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ } : يجوز أَنْ ينتصِبَ نَسَقاً على ما قبلَها ، وأن ينتصِبَ بإضمارِ اذكُرْ ، وأن يرتفعَ بالابتداء ، والخبرُ محذوف أي : وفيما يُتْلى عليكم التي أحصنت . ويجوز أن يكونَ الخبرُ " فنفَخْنا " وزِيْدَت الفاءُ على رأي الأخفش نحو : " زيدٌ فقائمٌ " .

وفي كلامِ الزمخشري " فَنَفَخْنا الروحَ في عيسى فيها " . قال الشيخ مؤاخِذاً له : " فاستعمل " نَفَخَ " متعدياً " . والمحفوظُ أنه لا يَتَعَدَّى فيحتاج في تَعَدِّيه إلى سماعٍ ، وغيرَ متعدٍّ استعمله هو في قولِه " أي : نَفَخَتْ في المِزْمار " انتهى ما واخَذَه به . قلت : وقد سُمِعَ " نَفَخَ " متعدياً . ويَدُلُّ على ذلك ما قُرِىء في الشاذ " فأنفخها فيكونُ طائراً " وقد حكاها هو قراءةً فكيف يُنْكِرُها ؟ فعليك بالالتفات إلى ذلك .

قوله : { آيَةً } إنما لم يطابِقْ المفعولَ الأولَ فيُثَنَّي الثاني ؛ لأنَّ كلاً منهما آيةٌ بالآخر فصارا آيةً واحدة . أو نقولُ : إنَّه حُذِف من الأولِ لدلالةِ الثاني ، أو بالعكس أي : وَجَعْلنا ابنَ مريمَ آيةً . وأمَّه كذلك . وهو نظيرُ الحذفِ في قولِه { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] وقد تقدَّم .