اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ إِنَّمَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (108)

قوله : { قُلْ إِنَّمَآ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ } الآية .

لما أورد على الكافر الحجج في أن لا إله إلا سواه ، وبين أنه أرسل رسوله رحمة للعالمين أتبع ذلك بما يكون إنذاراً{[29939]} في مجاهدتهم والإقدام عليهم فقال : { إِنَّمَآ يوحى إِلَيَّ }{[29940]} قوله : { أَنَّمَآ إلهكم } ( أنَّ ) وما في حيزها في محل رفع لقيامه مقام الفاعل إذ التقدير : إنما يوحي إليّ وحدانية إلهكم{[29941]} . وقال الزمخشري : «إنّما » لقصر الحكم على شيء ، أو لقصر الشيء على حكم كقولك : إنَّما زيد قائم ، وإِنَّما يقوم زيد ، وقد اجتمع المثلان في هذه الآية ، لأن { أنما يوحى إليّ } مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد ، { أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ } بمنزلة إنَّما زيد قائم ، وفائدة اجتماعهما الدلالة على أنَّ الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقصور على استئثار الله بالوحدانية{[29942]} .

قال أبو حيَّان : أما ما ذكره في «إنَّما » أنها لقصر ما ذكر فهو مبني على أن «إنّما » للحصر ، وقد قررنا{[29943]} أنها لا تكون للحصر ، وأنّ «مَا » مع «إنَّ » كهي مع «كأن » ومع «لَعَلّ » فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه ، ولا الحصر في الترجي ، فكذلك{[29944]} لا تفيده مع «إنَّ » ، وأما جعله «أنَّما » المفتوحة الهمزة مثل المكسورتها يدل على القصر فلا نعلم الخلاف إلا في «إنَّما » بالكسر ، وأما «أنَّما » بالفتح فحرف مصدري ينسبك منه مع ما بعده مصدر ، فالجملة بعدها ليست جملة مستقلة ، ولو كانت «أنَّمَا » دالة على الحصر لزم أن يقال : أنه لم يوح إليَّ شيء إلا التوحيد ، وذلك لا يصح الحصر فيه ، إذ قد أوحي إليه أشياء غير التوحيد{[29945]} . قال شهاب الدين : الحصر بحسب كل مقام على ما يناسبه ، فقد يكون هذا المقام يقتضي الحصر في إيحاء الوحدانية لشيء جرى من إنكار الكفار وحدانيته تعالى ، وأنَّ الله لم يوح إليه شيئاً ، وهذا كما أجاب الناس عن هذا الإشكال الذي ذكره الشيخ في قوله : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ }{[29946]} { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ }{[29947]} { أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ }{[29948]} إلى غير ذلك{[29949]} ، و «مَا » من قوله : { إِنَّمَآ يوحى } يجوز فيها وجهان :

أحدهما : أنْ تكون كافة . وقد تقدم .

والثاني : أنْ تكون موصولة{[29950]} كهي في قوله : { إِنَّمَا صَنَعُواْ }{[29951]} ، ويكون الخبر هو الجملة من قوله { أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ } تقديره : أنّ الذي يوحى إليّ هو هذا الحكم . قوله : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } استفهام معناه الأمر بمعنى : أسلموا ، كقوله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ }{[29952]} أي : انتهوا .


[29939]:في ب: إنذار.
[29940]:انظر الفخر الرازي 22/232.
[29941]:انظر التبيان 2/929.
[29942]:انظر الكشاف 3/23.
[29943]:في ب: قرر.
[29944]:في ب: كذلك.
[29945]:البحر المحيط 6/344.
[29946]:من قوله تعالى: {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عله آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} [الرعد: 7]، {إنما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45].
[29947]:من قوله تعالى: {إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} [الكهف: 110].
[29948]:من قوله تعالى: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد} [الحديد: 20].
[29949]:الدرر المصون: 5/61.
[29950]:البحر المحيط 6/344.
[29951]:من قوله تعالى: {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى } [طه: 69].
[29952]:من قوله تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91].