الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ بَلۡ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمۡ هَٰذَا فَسۡـَٔلُوهُمۡ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ} (63)

قوله : { بَلْ فَعَلَهُ } : هذا الإِضرابُ عن جملةٍ محذوفةٍ تقديرُه : لم أفعَلْه ، إنما الفاعلُ حقيقةً اللهُ تعالى ، بل فعله . وإسنادُ الفعلِ إلى " كبيرهم " مِنْ أبلغِ/ المعاريض .

قوله : { هَذَا } فيه ستةٌ أوجه ، أحدُها : أن يكونَ نعتاً ل " كبيرُهم " ، الثاني : أن يكونَ بدلاً من " كبيرُهم " . الثالث : أن يكونَ خبراً ل " كبيرهم " على أنَّ الكلامَ يَتِمُّ عند قوله { بَلْ فَعَلَهُ } ، وفاعل الفعلِ محذوفٌ ، كذا نقله أبو البقاء ، وقال : " وهذا بعيدٌ لأنَّ حَذْفَ الفاعلِ لا يَسُوغ " ، قلت : وهذا القولُ يُعْزَى للكسائي ، وحينئذٍ لا يَحْسُن الردُّ عليه بحذفِ الفاعلِ فإنه يُجيز ذلك ويلتزمُه ، ويجعلُ التقديرَ : بل فعله مَنْ فعله . ويجوزُ أَنْ يكونَ أراد بالحذفِ الإِضمارَ لأنه لَمَّا لم يُذكر الفاعلُ لفظاً سُمِّي ذلك حَذْفاً .

الرابع : أن يكونَ الفاعلُ ضميرَ " فتى " . الخامس : أن يكون الفاعلُ ضميرَ " إبراهيمُ " . وهذان الوجهان يؤيِّدان ما ذكَرْتُ من أنه قد يكون مرادُ القائلِ بحذفِ الفاعل إنما هو الإِضمارُ . السادس : أنَّ " فَعَلَه " ليس فعلاً ، بل الفاء حرف عطف دخلَتْ على " عَلَّ " التي أصلها " لعلَّ " حرفَ تَرَجّ . وحَذْفُ اللامِ الأولى ثابتٌ ، فصار اللفظُ فَعَلَّه أي فَلَعَلَّه ، ثم حُذفت اللامُ الأولى وخُفِّفت الثانيةُ . وهذا يُعْزَى للفراء . وهو قولٌ مرغوبٌ عنه وقد اسْتَدَلَّ على مذهبِه بقراءةِ ابنِ السَّمَيْفَع " فَعَلَّه " بتشديدِ اللام وهذه شاذَّةٌ ، لا يُرْجَعُ بالقراءة المشهورة إليها ، وكأن الذي حَمَلَهم على هذا خفاءُ وجهِ صدورِ هذا الكلامِ من النبيِّ عليه السلام .

قوله : { إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } جوابُه محذوفٌ لدلالة ما قبلَه . ومَنْ يجوِّزْ التقديمَ يجعلْ " فسألوهم " هو الجوابَ .