الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَجَعَلَهُمۡ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ} (58)

قوله : { جُذَاذاً } : قرأ العامَّة " جُذاذاً " بضمِّ الجيم . والكسائيُّ بكسرِها ، وابن عباس وأبو نهيك وأبو السَّمَّال بفتحِها . قال قطرب : هي في لغاتها كلِّها مصدرٌ فلا يثنَّى ولا يُجمع ولا يؤنَّثُ . والظاهرُ أن المضمومَ اسمٌ للشيءِ المكسَّرِ كالحُطام والرُّفات والفُتاتِ بمعنى الشيء المحطَّمِ والمفتَّتِ . وقال اليزيديُّ : " المضمومُ جمعُ جُذاذة بالضم نحو : زُجاج في زُجاجة ، والمكسورُ جمع جَذيذ نحو : كِرام في كريم " . وقال بعضُهم : المفتوحُ مصدرٌ بمعنى المفعولِ أي : مَجْذوذين . ويجوز على هذا أن يكونَ على حَذْفِ مضافٍ أي : ذوات جُذاذ . وقيل : المضمومُ جمع جُذاذَة بالضمِّ ، والمسكورُ جمع جِذاذَة بالكسر ، والمفتوح مصدرٌ .

وقرأ ابن وثاب " جُذُذاً " بضمَّتين دونَ إلفٍ بين الذَّالَيْن ، وهو جمع جَذِيذ كقَليب وقُلُب . وقُرِىء بضمِّ الجيمِ وفتحِ الذال . وفيها وجهان ، أحدهما : أن يكونَ أصلٌُها ضمتين ، وإنما خُفِّف بإبدال الضمةِ فتحةً نحو : سُرَر وذُلَل في جمع سَرير وذَليل ، وهي لغةٌ لبني كَلْب . والثاني : أنه جمع جُذَّة نحو : فُتَت في فُتَّة ، ودُرَر في دُرَّة .

والجَذُّ : القطعُ والتكسير ، وعليه قوله :

بنو المهلبِ جَذَّ اللهُ دابِرَهُمْ *** أَمْسَوْا رَماداً فلا أَصْلٌ ولا طَرَفُ

وقد تقدَّم هذا مستوفىً في هود .

وأتى ب " هم " وهو ضميرُ العقلاءِ معاملةً للأصنام معاملةً العقلاءِ ، حيث اعتقدوا فيها ذلك .

قوله : { إِلاَّ كَبِيراً } استثناءٌ من المنصوب في " فَجَعَلهم " ، أي : لم يكسِرْه بل تركه . و " لهم " صفةٌ له ، والضمير يجوز أن يعود على الأصنام . وتأويلُ عودِ ضميرِ العقلاءِ عليها تقدَّم . ويجوز أن يكون عائداً على عابديها . والضميرُ في " إليه " يجوز أن يعود إلى إبراهيم أي : يَرْجِعون إلى مقالتِه حين يظهر لهم الحقُّ ، ويجوز أَنْ يكونَ عائداً على الكبير ، وبكلٍ قِيل .