الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لِّكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ فَلَا يُنَٰزِعُنَّكَ فِي ٱلۡأَمۡرِۚ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدٗى مُّسۡتَقِيمٖ} (67)

قوله : { هُمْ نَاسِكُوهُ } : هذه الجملةُ صفةٌ ل مَنْسَكاً . وقد تقدَّم أنه يُقْرَأُ بالفتح والكسر . وتقدَّم الخلافُ فيه : هل هو مصدرٌ أو مكانٌ ؟ وقال ابنُ عطية : " ناسِكوه يُعطي أنَّ المَنْسَك المصدرُ ، ولو كان مكاناً لقال : ناسِكون فيه " يعني أنَّ الفعلَ لا يَتَعَدَّى إلى ضمير الظرفِ إلاَّ بواسطةِ " في " . وما قاله غيرُ لازمٍ ؛ لأنه قد يُتَّسع في الظرف فيجري مَجْرَى المفعولِ به ، فيصِلُ الفعلُ إلى ضميرِه بنفسه ، وكذا ما عَمِلَ عَمَلَ الفعل . ومن الاتِّساع في ظرفِ الزمان قوله :

ويومٍ شَهِدْنَاه سُلَيْمَى وعامراً *** قليلٍ سوى الطَّعْنِ النِّهالِ نوافِلُهْ

ومن الاِّتساع في ظرفِ المكان قولُه :

ومَشْرَبٍ أَشْرَبُه وَشِيْلِ *** لا أَجِنِ الطَّعْمِ ولا وَبِيْلِ

يريد : أشرب فيه .

قوله : { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ } وقُرِىء بالنون الخفيفة . وقرأ أبو مجلز : " فلا يَنْزِعُنَّك " مِنْ كذا أي : قَلَعْتُه منه . وقال الزجاج : " هو مِنْ نازَعْتُه فَنَزَعْته أنْزَعُه أي : غَلَبْتُهُ في المنازَعَة " . ومجيءُ هذهِ الآيةِ كقولِه تعالى : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا } وقولهم : لا أُرَيَنَّك ههنا . وهنا جاء قولُه { لِّكُلِّ أُمَّةٍ } من غير واوٍ عطفٍ ، بخلافِ ما تَقَدَّم مِنْ نظيرتِها فإنها بواوِ عطفٍ . قال الزمخشري : " لأنَّ " تلك " وَقَعَتْ مع ما يُدانيها ويناسِبُها من الآيِ الواردةِ في أمر النسائِكِ ، فَعُطِفَتْ على أخواتها ، وأمَّا هذه فواقعةٌ مع أباعدَ مِنْ معناها فلم تجد مَعْطَفاً .