الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمُنكَرَۖ يَكَادُونَ يَسۡطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۗ قُلۡ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكُمُۚ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (72)

قوله : { تَعْرِفُ } : العامَّةُ على " تَعْرِف " خطاباً مبنياً للفاعل . " المُنْكَرَ " مفعول به . وعيسى بن عمر " يُعْرَفُ " بالياءِ من تحتُ مبنياً للمفعول ، و " المنكرُ " مرفوعٌ قائمٌ مقامَ الفاعلِ . والمُنْكَرُ اسمُ مصدرٍ بمعنى الإِنكارِ . وقوله : { الَّذِينَ كَفَرُواْ } من إقامةِ الظاهرِ مُقامَ المضمرِ للزيادةِ عليهم بذلك .

قوله : { يَكَادُونَ يَسْطُونَ } هذه حالٌ : إمَّا مِنَ الموصولِ ، وإنْ كان مضافاً إليه ، لأنَّ المضافَ جزؤُه ، وإمَّا من الوجوه لأنها يُعَبَّر بها عن أصحابِها ، كقوله : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } [ عبس : 40 ] ثم قال : " أولئك هم " . و " يَسْطُون " ضُمِّن معنى يَبْطِشُون فيُعَدَّى تعديَته ، وإلاَّ فهو متعدٍّ ب على يُقال : سَطا عليه . وأصلُه القهرُ والغَلَبَةُ . وقيل : إظهارُ ما يُهَوِّلُ للإِخافةِ . ولفلان سَطْوَةٌ أي : تَسَلُّطٌ وقهرٌ .

قوله : " النار " يُقرأ بالحركاتِ الثلاث : فالرفعُ مِنْ وجهين . أحدُهما : الرفعُ على الابتداءِ ، والخبرُ الجملةُ مِنْ " وَعَدَها الله " والجملةُ لا محلَّ لها فإنها مفسِّرةٌ للشرِّ المتقدِّمِ . كأنه قيل : ما شَرٌّ من ذلك ؟ فقيل : النارُ وعدها الله . والثاني : أنها خبرُ مبتدأ مضمرٍ كأنه قيل : ما شرُّ من ذلك ؟ فقيل : النارُ أي : هو النارُ ، وحينئذٍ يجوزُ في " وعدها الله " الرفعُ على كونِها خبراً بعد خبرٍ .

وأُجيز أن تكون بدلاً من " النار " . وفيه نظرٌ : من حيث إنَّ المُبْدَلَ منه مفردٌ . وقد يُجاب عنه : بأنَّ الجملةَ في تأويلِ مفردٍ ، وتكونُ بدلَ اشتمالٍ . كأنه قيل النارُ وعدها اللهُ الكفارَ . وأجيز أن تكونَ مستأنفةً لا محلَّ لها . ولا يجوزُ ِأَنْ تكونَ حالاً . قال أبو البقاء : " لأنه ليس في الجملةِ ما يَصْلُح أَنْ يَعْمَلَ في الحال " . وظاهرُ نَقْلِ الشيخ عن الزمخشري أنه يُجيز كونَها حالاً فقال : " وأجاز الزمخشريُّ اَنْ تكونَ " النار " مبتدأً ، و " وعدَها " خبرٌ ، وأَنْ يكونَ حالاً على الإِعرابِ الأول " . انتهى . والإِعرابُ الأولُ هو كونُ " النار " خبرَ مبتدأ مضمرِ . والزمخشريُّ لم يجعَلْها حالاً إلاَّ إذا نَصَبْتَ " النار " أو جَرَرْتَها بإضمار " قد " هذا نصُّه . وإنما مَنَعَ ذلك لِما تقدَّم من قولِ أبي البقاء ، وهو عدمُ العاملِ .

والنَصبُ وهو قراءةُ زيدِ بن علي وابن أبي عبلة من ثلاثةِ أوجهٍ ، أحدها : أنها منصوبةٌ بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّره الفعلُ الظاهرُ ، والمسألةُ من الاشتغال . الثاني : أنها منصوبةٌ على الاختصاصِ ، قاله الزمخشري . الثالث : أن ينتصبَ بإضمارِ أعني ، وهو قريبٌ ممَّا قبله أو هو هو .

/ والجرُّ وهو قراءةُ ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن نوح على البدل مِنْ " شر " .

والضميرُ في " وعدها " .

قال الشيخ : " الظاهرُ أنَّه هو المفعولُ الأولُ على أنَّه تعالى وَعَدَ النارَ بالكفار أن يُطْعِمَها إيَّاهم ، ألا ترى إلى قولِه تعالى : { وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] ، ويجوزُ أَنْ يكونَ الضميرُ هو المفعولَ الثاني ، و { الَّذِينَ كَفَرُواْ } هو المفعولَ الأولَ كما قال : { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ } [ التوبة : 68 ] . قلت : ينبغي أن يتعيَّنَ هذا الثاني ؛ لأنَّه متى اجتمع بعدما يتعدَّى إلى اثنين شيئان ليس ثانيهما عبارةً عن الأول ، فالفاعلُ المعنويُّ رتبتُه التقديمُ وهو المفعولُ الأولُ . ونعني بالفاعلِ المعنويِّ مَنْ يتأتَّى منه فِعْلٌ . فإذا قلتَ : وَعَدْتُ زيداً ديناراً فالدينار هو المفعول ؛ لأنه لا يتأتَّى من فِعْلٌ ، وهو نظير : " أعطيت زيداً درهماً " ف " زيدٌ " هو الفاعلُ لأنه آخذُ للدرهم .

قوله : { وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } المخصوصُ محذوفٌ . تقديرُه : وبئس المصيرُ هي النارُ .