الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ شَهِدۡنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ} (130)

قوله تعالى : { مِّنْكُمْ } : في محل رفعٍ صفةً لرسل فيتعلَّق بمحذوف وقوله " يَقُصُّون " يحتمل أن يكون صفةً ثانية ، وجاءت كذا مجيئاً حسناً حيث تقدَّم ما هو قريبٌ من المفرد على الجملة ، ويحتمل أن يكون في محل نصب على الحال ، وفي صاحبها وجهان ، أحدهما : هو " رسل " وجاز ذلك وإن كان مكرةً لتخصُّصِه بالوصف . والثاني : أنه الضمير المستتر في " منكم " . وقوله { رُسُلٌ مِّنْكُمْ } زعم الفراء أن في الآية حَذْفَ مضاف أي : ألم يَأتِكم رسلٌ من أحدكم يعني من جنس الإِنس " قال : كقوله : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] وإنما يَخْرجان من الملح ، { وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } [ نوح : 16 ] وإنما هو في بعضها ، فالتقدير : يخرج مِنْ أحدهما وجعل القمر في إحداهن ، فحُذِفَ للعلم به " ، وإنما احتاج الفراء إلى ذلك لأن الرسل عنده مختصةٌ بالإِنس ، يعني أنه لم يعتقد أن الله أَرْسَل للجن رسولاً منهم ، بل إنما أرسل إليهم الإِنس كما يُرْوى في التفسير وعليه قام الإِجماع أنَّ النبي محمداً صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ للإِنس والجن وهذا هو الحق ، أعني أنَّ الجنَّ لم يُرْسَلْ منهم إلا بواسطة رسالة الإِنس ، كما جاء في الحديث مع الجن الذين لمَّا سَمِعُوا القرآن وَلَّوْا إلى قومهم ، ولكن لا يُحْتاجُ إلى تقدير مضاف وإن قلنا إنَّ رسل الجن من الإِنس ، للمعنى الذي ذكرتُه وهو أنه يُطْلق عليهم رسل مجازاً لكونهم رسلاً بواسطة رسالة الإِنس ، وقد زعمَ قومٌ أن الله أرسل للجن رسولاً منهم يُسَمَّى يوسف .