الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا} (8)

وقال الشيخ : " أمَّا قولُه : " وليس بالوجهِ لقولِه " فَأَلْهمها " يعني مِنْ عَوْدِ الضمير في " فَأَلْهمها " على الله تعالى ، فيكونُ قد عاد على مذكورٍ وهو " ما " المرادُ به الذي . قال : " ولا يَلْزَمُ ذلك ؛ لأنَّا إذا جَعَلْناها مصدريةً عاد الضميرُ على ما يُفْهَمُ مِنْ سياق الكلامِ ، ففي " بناها " ضميرٌ عائدٌ على الله تعالى ، أي : وبناها هو ، أي : الله تعالى ، كما إذا رأيتَ زيداً قد ضرب عَمْراً فتقول : " عجبتُ مِمَّا ضَرَبَ عمراً " تقديره : مِنْ ضَرْبِ عمروٍ هو ، كان حسناً فصيحاً جائزاً ، وعَوْدُ الضمير على ما يُفْهَمُ مِنْ سياقِ الكلامِ كثيرٌ وقوله : " وما يُؤدِّي إليه مِنْ فسادِ النظم " ليس كذلك ، ولا يُؤدِّي جَعْلُها مصدريةً إلى ما ذُكِرَ ، وقوله : " وإنما أُوْثِرَتْ " إلى آخره لا يُراد بما ولا بمَنْ الموصولتين معنى الوصفيةِ ؛ لأنهما لا يُوْصفُ بهما بخلاف " الذي " فاشتراكُهما في أنَّهما لا يُؤَدِّيان معنى الوصفيةِ موجودٌ بينهما فلا تنفردُ به " ما " دون " مَنْ " وقوله : وفي كلامِهم " إلى آخره تَأَوَّله أصحابُنا على أنَّ " سبحان " عَلَم و " ما " مصدريةٌ ظرفيةٌ " انتهى .

أمَّا ما رَدَّ به عليه مِنْ كونِه يعود على ما يُفْهَمُ من السِّياق فليس يَصْلُح رَدَّاً ، لأنه إذا دار الأمرُ بين عَوْدِه على ملفوظٍ به وبينَ غيرِ ملفوظٍ به فعَوْدُه على الملفوظِ به أَوْلى لأنَّه الأصلُ . وأمَّا قولُه : فلا تنفرد به " ما " دونَ " مَنْ " فليس مرادُ الزمخشري أنها تُوْصَفُ بها وصْفاً صريحاً ، بل مُرادُه أنها تقعُ على نوعِ مَنْ يَعْقل ، وعلى صفتِه ، ولذلك مَثَّل النَّحْويون ذلك بقوله : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ } [ النساء : 3 ] ، وقالوا : تقديره : فانْكِحُوا الطيِّبَ مِنْ النساءِ ، ولا شكَّ أن هذا الحكمَ تَنْفَرِدُ به " ما " دون مَنْ . والتنكيرُ في " نفس " : إمَّا لتعظيمِها ، أي ، نفس عظيمة ، وهي نفسُ آدمَ ، وإمَّا للتكثيرِ كقولِه : { عَلِمَتْ نَفْسٌ } [ الانفطار : 5 ] .