البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ} (78)

الإهراع : قال شمر مشي بين الهرولة والجمز .

وقال الهروي : هرع الرجل وأهرع استحث .

الضيف : مصدر ، وإذا أخبر به أو وصف لم يطابق في تثنية ولا جمع ، هذا المشهور .

وسمع فيه ضيوف وأضياف وضيفان .

وجاءه قومه يهرعون إليه ، لما جاء لوط بضيفه لم يعلم بذلك أحد إلا أهل بيته ، فخرجت امرأته حتى أتت مجالس قومها فقالت : إن لوطاً قد أضاف الليلة فتية ما رؤي مثلهم جمالاً وكذا وكذا ، فحينئذ جاؤوا يهرعون أي : يسرعون ، كما يدفعون دفعاً فعل الطامع الخائف فوت ما يطلبه .

وقرأ الجمهور : يهرعون مبنياً للمفعول من أهرع أي يهرعهم الطمع .

وقرأت فرقة : يهرعون بفتح الياء من هرع .

وقال مهلهل :

فجاؤوا يهرعون وهم أسارى *** يقودهم على رغم الانوف

ومن قبل كانوا يعملون السيآت أي : كان ذلك ديدنهم وعادتهم ، أصروا على ذلك ومرنوا عليه ، فليس ذلك بأول انشاء هذه المعصية ، جاؤا يهرعون لا يكفهم حياء لضراوتهم عليها ، والتقدير في ومن قبل أي : من قبل مجيئهم .

إلى هؤلاء الاضياف وطلبهم إياهم .

وقيل : ومن قبل بعث لوط رسولاً إليهم .

وجمعت السيآت وإن كان المراد بها معصية اتيان الذكور ، إما باعتبار فاعليها ، أو باعتبار تكررها .

وقيل : كانت سيآت كثيرة باختلاف أنواعها ، منها اتيان الذكور ، واتيان النساء في غير المأتي ، وحذف الحصا ، والحيق في المجالس والاسواق ، والمكاء ، والصفير ، واللعب بالحمام ، والقمار ، والاستهزاء بالناس في الطرقات ، ووضع درهم على الأرض وهم بعيدون منه فمن أخذه صاحوا عليه وخجلوه ، وإنْ أخذه صبي تابعوه وراودوه .

هؤلاء بناتي : الاحسن أنْ تكون الإضافة مجازية ، أي : بنات قومي ، أي البنات أطهر لكم ، إذ النبي يتنزل منزلة الاب لقومه .

وفي قراءة ابن مسعود : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } وهو أب لهم ويدل عليه أنَّه فيما قيل : لم يكن له الابنتان ، وهذا بلفظ الجمع .

وأيضاً فلا يمكن أنْ يزوج ابنتيه من جميع قومه .

وقيل : أشار إلى بنات نفسه وندبهم إلى النكاح ، إذْ كان من سنتهم تزويج المؤمنة بالكافر .

أو على أنَّ في ضمن كلامه أنْ يؤمنوا .

وقيل : كان لهم سيدان مطاعان فاراد أنْ يزوجهما ابنتيه زغورا وزيتا .

وقيل : كنّ ثلاثاً .

ومعنى أطهر : أنظف فعلاً .

وقيل : أحل وأطهر بيتاً ليس أفعل التفضيل ، إذ لا طهارة في اتيان الذكور .

وقرأ الجمهور : أطهر بالرفع والأحسن في الإعراب أنّ يكون جملتان كل منهما مبتدأ وخبر .

وجوز في بناتي أنْ يكون بدلاً ، أو عطف بيان ، وهن فصل وأطهر الخبر .

وقرأ الحسن ، وزيد بن علي ، وعيسى بن عمر ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن مروان السدي : أطهر بالنصب .

وقال سيبويه : هو لحن .

وقال أبو عمرو بن العلاء : احتبي فيه ابن مروان في لحنه يعني : تربع .

ورويت هذه القراءة عن مروان بن الحكم ، وخرجت هذه القراءة على أنَّ نصب أطهر على الحال .

فقيل : هؤلاء مبتدا ، وبناتي هنّ مبتدأ وخبر في موضع خبر هؤلاء ، وروي هذا عن المبرد .

وقيل : هؤلاء بناتي مبتدأ وخبر ، وهن مبتدأ ولكم خبره ، والعامل قيل : المضمر .

وقيل : لكم بما فيه من معنى الاستقرار .

وقيل : هؤلاء بناتي مبتدأ وخبر ، وهن فصل ، وأطهر حال .

ورد بأنَّ الفصل لا يقع إلا بين جزءي الجملة ، ولا يقع بين الحال وذي الحال .

وقد أجاز ذلك بعضهم وادعى السماع فيه عن العرب ، لكنه قليل .

ثم أمرهم بتقوى الله في أنْ يؤثروا البنات على الاضياف .

ولا تخزون : يحتمل أنْ يكون من الخزي وهو الفضيحة ، أو من الخزاية وهو الاستحياء ، لأنّه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره فقد خزي هو ، وذلك من عراقة الكرم وأصل المروءة .

أليس منكم رجل يهتدي إلى سبيل الحق وفعل الجميل ، والكف عن السوء ؟ وفي ذلك توبيخ عظيم لهم ، حيث لم يكن منهم رشيد البتة .

قال ابن عباس : رشيد مؤمن .

وقال أبو مالك : ناه عن المنكر .

ورشيد ذو رشد ، أو مرشد كالحكيم بمعنى المحكم ،