البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنۡ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلرَّوۡعُ وَجَآءَتۡهُ ٱلۡبُشۡرَىٰ يُجَٰدِلُنَا فِي قَوۡمِ لُوطٍ} (74)

والفعل راع يروع قال :

ما راعني إلا حمولة أهلها *** وسط الديار نسف حب الخمخم

وقال النابغة :

فارتاع من صوت كلاب فبات له *** طوع الشوامت من خوف ومن صرد

والروع بضم الراء النفس ، لأنها موضع الروع .

الروع : الفزع قال الشاعر :

إذا أخذتها هزة الروع أمسكت *** بمنكب مقدام على الهول أروعا

{ فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب .

يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود } : الروع الخيفة التي كان أو جسها في نفسه حين نكر أضيافه ، والمعنى : اطمأن قلبه بعلمه أنّهم ملائكة .

والبشرى تبشيره بالولد ، أو بأنَّ المراد بمجيئهم غيره .

وجواب لما محذوف كما حذف في قوله : { فلما ذهبوا به } وتقديره : اجترأ على الخطاب اذ فطن للمجادلة ، أو قال : كيت وكيت .

ودل على ذلك الجملة المستأنفة وهي يجادلنا ، قال معناه الزمخشري .

وقيل : الجواب يجادلنا وضع المضارع موضع الماضي ، أي جادلنا .

وجاز ذلك لوضوح المعنى ، وهذا أقرب الأقوال .

وقيل : يجادلنا حال من إبراهيم ، وجاءته حال أيضاً ، أو من ضمير في جاءته .

وجواب لما محذوف تقديره : قلنا يا إبراهيم أعرض عن هذا ، واختار هذا التوجيه أبو علي .

وقيل : الجواب محذوف تقديره : ظل أو أخذ يجادلنا ، فحذف اختصاراً لدلالة ظاهر الكلام عليه .

والمجادلة قيل : هي سؤاله العذاب واقع بهم لا محالة ، أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطاعة .

وقيل : تكلماً على سبيل الشفاعة ، والمعنى : تجادل رسلنا .

وعن حذيفة انهم لما قالوا له : إنا مهلكوا أهل هذه القرية قال : أرأيتم ان كان فيها خمسون من المسلمين ، أتهكلونها ؟ قالوا : لا ، قال : فأربعون ؟ قالوا : لا .

قال : فثلاثون ؟ قالوا : لا ، قال : فعشرون ؟ قالوا : لا .

قال : فإن كان فيهم عشرة أو خمسة شك الراوي ؟ قالوا : لا .

قال : أرأيتم إن كان فيها رجل .

واحد من المسلمين أتهلكونها ؟ قالوا : لا ، فعند ذلك قال : إنَّ فيها لوطاً ، قالوا : نحن أعلم بمن فيها ، لننجينه وأهله .

وكان ذلك من إبراهيم حرصاً على إيمان قوم لوط ونجاتهم ، وكان في القرية أربعة آلاف ألف إنسان