البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

الذرع مصدر ذرع البعير بيديه في سيره إذا سار على قدر خطوه ، مأخوذ من الذراع ، ثم وضع موضع الطاقة فقيل : ضاق به ذرعاً .

وقد يجعلون الذراع موضع الذرع قال :

إليك إليك ضاق بها ذرعاً *** وقيل : كنى بذلك عن ضيق الصدر .

العصيب والعصبصب والعصوصب الشديد اللازم ، الشر الملتف بعضه ببعض قال :

وكنت لزاز خصمك لم أعدد *** وقد سلكوك في يوم عصيب

قال أبو عبيدة : سمى عصيباً لأنه يعصب الناس بالشر ، والعصبة والعصابة الجماعة المجتمعة كلمتهم ، أو المجتمعون في النسب .

وتعصبت لفلان وفلان معصوب أي : مجتمع الخلق .

{ ولما جآءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد .

قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد } : خرجت الملائكة من قرية إبراهيم إلى قرية لوط وبنيهما قيل : ثمانية أميال .

وقيل : أربعة فراسخ ، فأتوها عشاء .

وقيل : نصف النهار ، ووجدوا لوطا في حرث له .

وقيل : وجدوا ابنته تستقي ماء في نهر سدوم ، وهي أكبر حواضر قوم لوط ، فسألوها الدلالة على من يضيفهم ، ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط وقالت لهم : مكانكم ، وذهبت إلى أبيها فأخبرته ، فخرج إليهم فقالوا : إنّا نريد أنْ تضيفنا الليلة فقال لهم : أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم ؟ فقالوا : وما عملهم ؟ فقال : أشهد بالله انهم شر قوم في الأرض .

وقد كان الله قال للملائكة : لا تعذبوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فلما قال هذه قال جبريل : هذه واحدة ، وتردد القول منهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات ، ثم دخل لوط المدينة فحينئذ سيء بهم أي : لحقه سوء بسببهم ، وضاق ذرعه بهم ، وقال : هذا يوم عصيب أي شديد ، لما كان يتخوفه من تعدى قومه على أضيافه .