البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ} (118)

قال الزمخشري : يعني لاضطرارهم إلى أن يكونوا أهل ملة واحدة وهي ملة الإسلام كقوله : { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } وهذا كلام يتضمن نفي الاضطرار ، وأنه لم يقهرهم على الاتفاق على دين الحق ، ولكنه مكنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف ، فاختار بعضهم الحق ، وبعضهم الباطل ، فاختلفوا ولا يزالون مختلفين ، إلا من رحم ربك الا ناساً هداهم الله ولطف بهم فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه انتهى .

وهو على طريقة الاعتزال .

وقال ابن عباس وقتادة : أمة واحدة مؤمنة حتى لا يقع منهم كفر ، لكنه تعالى لم يشأ ذلك .

وقال الضحاك : لو شاء لجعلهم على هدى أو ضلالة ، والظاهر أن قوله : ولا يزالون مختلفين ، هو من الاختلاف الذي هو ضد الاتفاق ، وأنّ المعنى في الحق والباطل قاله : ابن عباس ، وقال مجاهد : في الأديان ، وقال الحسن : في الأرزاق والأحوال من تسخير بعضهم لبعض ، وقال عكرمة : في الأهواء ، وقال ابن بحر : المراد أنْ بعضهم يخلف بعضاً ، فيكون الآتي خلفاً للماضي .

قال : ومنه قولهم : ما اختلف الجديدان ، أي خلف أحدهما صاحبه .

وإلاّ من رحم استثناء متصل من قوله : ولا يزالون مختلفين ، ولا ضرورة تدعو إلى أنه بمعنى لكن ، فيكون استثناء منقطعاً كما ذهب إليه الحوفي ، والإشارة بقوله : ولذلك خلقهم ، إلى المصدر المفهوم من قوله : مختلفين ، كما قال : إذا نهى السفيه جرى إليه .

فعاد الضمير إلى المصدر المفهوم من اسم الفاعل ، كأنه قيل : وللاختلاف خلقهم ، ويكون على حذف مضاف أي : لثمرة الاختلاف من الشقاوة والسعادة خلقهم .

ودل على هذا المحذوف أنه قد تقرر من قاعدة الشريعة أن الله تعالى خلق خلقاً للسعادة ، وخلقا للشقاوة ، ثم يسر كلا لما خلق له ، وهذا نص في الحديث الصحيح .

وهذه اللام في التحقيق هي لام الصيرورة في ذلك المحذوف ، أو تكون لام الصيرورة بغير ذلك المحذوف ، أي : خلقهم ليصير أمرهم إلى الاختلاف .

ولا يتعارض هذا مع قوله : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } لأنّ معنى هذا الأمر بالعبادة .